قراءة أولية لنتائج المؤتمر الثامن

بي دي ان |

22 مايو 2022 الساعة 11:50م

نجحت الجبهة الشعبية أخيرا في الإعلان عن انتهاء اعمال مؤتمرها الثامن، الذي مضى تقريبا ثلاثة أعوام على البدء بالاعداد التحضير له، وعقد مؤتمرات الاقاليم الثلاثة (الضفة والقطاع والشتات) بعد تجاوز بعض العقبات ، وتأكيدا لذلك أصدرت بيانا رسميا اول امس السبت الموافق 21 أيار الحالي، أعلنت فيه عن انجاز الاستحقاق التنظيمي الأهم، أي المؤتمر العام، بالتلازم مع انتخاب الهيئات القيادية اللجنة المركزية المكتب السياسي والتجديد للامين العام، الأسير البطل احمد سعدات، وانتخاب نائبا جديدا له، هو الرفيق جميل مزهر من محافظات قطاع غزة، وتم تجديد الهيئات القيادية بنسبة تصل لاكثر من 50% وخاصة الهيئة القيادية الاولى، والسبب الأساس يعود لتطبيق المؤتمر للوائح النظام الداخلي، التي تنص احداها على "ان عضوية المكتب السياسي واللجنة المركزية لا تزيد عن دورتين"، وهي بالمناسبة من المواد الحديثة نسبيا في النظام. وبالتالي جاء التجديد فيها بنسبة كبيرة، وتدفق الدم الجديد بقوة في مركباتها.
وهذا الامر حمال أوجه، بمعنى بمقدار ما يحمل البعد الإيجابي، بمقدار ما له انعكاسات سلبية على عمل تلك الهيئات لعدة أسباب، أولا لنقص الخبرة القيادية عند العديد من الكوادر المنتخبة؛ ثانيا غياب الكاريزما القيادية، ولهذا تأثير سلبي كبير على العلاقة البينية بين القاعدة والكادر والهيئة القيادية الاولى؛ ثالثا ترك فراغ قيادي في بعض الأقاليم، وخاصة إقليم الخارج، الذي الان يفتقد لشخصية اعتبارية ذات رصيد تاريخي وسياسي ومعنوي؛ رابعا خلق فجوة بين الجبهة وفصائل العمل الوطني والقومي والاممي، وبالتالي اضعاف موضوعي لمكانة الشعبية. وفي ذات الوقت له بعد إيجابي تمثل في أولا غياب سياسة التفرد في القرار؛ ثانيا الحؤول دون تكلس الهيئات القيادية الأولى، والخروج من دوامة الجمود العقائدي والسياسي؛ ثالثا احداث حيوية داخل الهيئات القيادية؛ رابعا الاسهام بانضاج تجربة الكوادر القيادية الصاعدة في إدارة المهام القيادية؛ خامسا تعزيز المنافسة الإيجابية بين النخب الكادرية في الأقاليم الثلاث، واثرها على تطوير الملكات الكادرية الفكرية والسياسية والتنظيمية والنقابية والكفاحية والمالية الإدارية...إلخ
وعطفا على ما تقدم، يمكن لقيادة الجبهة الجديدة تجسير المسافة بين السلبيات والايجابيات من خلال زج القيادات الجديدة في الانخراط المباشرة في دورة العمل لتأكيد ذاتها ومكانتها على الصعد المختلفة. بيد ان هناك حاجة ماسة لوجود نائب امين عام آخر في الخارج اسوة بتجربة الرفاق في الجبهة الديمقراطية، ليتمكن من متابعة جوانب العمل الداخلي والسياسي مع القوى الفلسطينية والعربية والاممية. وكما فهمت من احد الأصدقاء، انه تم تقديم اقتراح بهذا الصدد، أي ان الموضوع مثار بالأساس في أوساط الهيئات القيادية، الامر الذي يتطلب من اللجنة المركزية العامة للشعبية في حال اقتنعت الأغلبية بالفكرة، وتبنتها بالاخذ بها، وتكريسها عمليا.
وعلى أهمية الجانب التنظيمي للشعبية، ورغم انها صادقت على وثائقها الفكرية والسياسية في المؤتمر، مع ذلك تستدعي الضرورة من أعضاء الهيئات القيادية اليومية والوسيطة الانتباه لاخطار السياسات الاقصوية على الصعيد الوطني والقومي والاممي، والابتعاد كليا عن الخطاب الشعاراتي، والتعامل بحكمة مع المعطيات السياسية الداخلية والعربية والإقليمية والدولية؛ وأيضا مطلوب منها تحديد التخوم بينها وبين القوى والحركات الاسلاموية بشكل جلي وعميق، وعليها التمييز بين البعدين التكتيكي والاستراتيجي في التحالفات، والتدقيق في خلفيات تلك القوى، وحتى على مستوى التحالفات الإقليمية مع القوى الإسلامية المتطرفة وخاصة ايران الفارسية ومشتقاتها، او من يطلقوا على انفسهم ب"محور المقاومة"، الذي ليس له من المقاومة الا الشعار والعنوان، والانشداد أولا وثانيا وعاشرا والف للتحالفات الوطنية وتعزيز وتكريس وحماية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، ومعالجة القضايا الخلافية مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير على أرضية مبدأ " وحدة – نقد – وحدة"، والعمل على تحصين جبهة قوى اليسار، الذي على ما يبدو ان ملامحه غابت عن هوية وملامح الجبهة، بعد ان انخرطت في تأسيس ما يسمى "الجبهة او الائتلاف الوطني المقاوم" مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وتجاهلت الجبهة القراءة المعمقة لخلفيات تلك القوى، او على الأقل حركة الاخوان المسلمين عموما وفي فلسطين خصوصا، ولم تميز بين الكوادر والقواعد المناضلة في حركة حماس المضللة، والتي لا تعرف حقيقة اجنداتها، وبين النخبة القيادية الأولى المرتبطة بمشاريع بعيدة جدا عن المشروع الوطني.
وعلى القيادة الجديدة قراءة التحولات العربية والإقليمية والاممية واستشراف افاقها الواسعة والعميقة، لتتمكن من وضع أسس قوية لبناء جبهة اممية داعمة للقضية الوطنية الفلسطينية، وإزالة الشوائب والادران التي لصقت بمنظمات الجبهة في الشتات والمعتربات الأوروبية والاميركيتين، والكف عن الركض في متاهة الاسلام السياسي بمشتقاته الاخوانية والاحزاب الأخرى، التي لا تمت بصلة لله. لان حزب الله في العالم واحد، ويطال كل مواطن مؤمن به من كل الأديان السماوية بعيدا عن كل اشكال النفاق السياسي ذات الخلفيات المتناقضة مع الهوية الوطنية والقومية العربية.
مبروووك كبيرة للرفاق في الشعبية نجاح مؤتمرهم الثامن، وارجو لهم المزيد من التقدم والتطور، وتحديد هويتهم الفكرية والسياسية بشكل متبلور وواضح بعيدا عن الخلط الفكري والمفاهيمي والقيمي، وانسجاما مع المشروع الوطني والقومي الديمقراطي.