الذكرى والدلالة والأهمية

بي دي ان |

10 ديسمبر 2020 الساعة 07:31ص

مرت امس الذكرى الـ33 للإنتفاضة الكبرى 1987/1993، التي غيرت مجرى ومركبات الصراع الفلسطيني الصهيوني، وحققت إنجازات سياسية، ونقلت الصراع إلى داخل فلسطين التاريخية، بعدما إنتقل مركز القرار الفلسطيني للداخل، وتراجع حضور الظاهرة العلنية في دول الطوق، ومع تسيد شكل الكفاح الشعبي على حساب غيره من اشكال النضال، دون انتفائها من المشهد هنا وهناك. هذا وتمخض عن العمل السياسي والديبلوماسي تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد إتفاقات اوسلو 1993، التي مازالت تؤكد حضورها رغم كل عناوين الحصار والتهميش والهدم الإسرائيلية ككيانية سياسية للشعب الفلسطيني، والمدخل الطبيعي للدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كانت ثورة كانون في الثورة منعطفا نوعيا هاما في مسار عملية التحرر الوطني بدلالاتها الكفاحية والسياسية والقانونية، حيث تمكنت من إنقاذ القضية الفلسطينية من حروب التصفية، التي توجت بالإجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران/ يونيو 1982، وتلاها مجزرة صبرا وشاتيلا في ايلول / سبتمبر 1982، وحرب مصادرة القرار الوطني المستقل في البقاع وطرابلس ايار / مايو 1983، وحرب المخيمات 1985 /1987، والقمة العربية في تشرين ثاني / نوفمبر 1987، فكانت الإنتفاضة العظيمة ردا وطنيا على كل التحديات، وشكلت حبل النجاة والإعدام من مقصلة الأعداء جميعا، وأعادت الإعتبار للقضية الفلسطينية، وفرضت الرقم الفلسطيني الصعب على خارطة الجيوبوليتك في المنطقة بدءً من مؤتمر مدريد نهاية تشرين اول/ اكتوبر 1991، وصولا إلى إتفاقات اوسلو في ايلول / سبتمبر 1993، التي أًصلت لولادة السلطة الوطنية في النصف الأول من عام 1994، التي واجهت تحديا غير مسبوق في الكفاح الوطني التحرري، تمثل في إنقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية في حزيران / يونيو 2007، والذي مزق وحدة النسيج الوطني والإجتماعي والثقافي الفلسطيني، ومازال يشكل خطرا داهما حتى يوم الدنيا هذا، ولم تتوقف عند حدود ذلك، لإن التحديات الصهيو أميركية تضاعفت وتعمقت، بعد الإعلان عن صفقة القرن الترامبية المشؤومة، التي هدفت بالأساس إلى شطب القضية مجدداً، غير انها ايضا هزمت مع هزيمة الرئيس ترامب في الإنتخابات الرئاسية في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي (2020)، رغم ما احدثته من تشوهات وإنقلابات حادة في مسار العملية السياسية، وفي المنظومة الرسمية العربية بعد اندفاع عدد من الدول العربية في عملية التطبيع المذلة في آب/ اغسطس الماضي (2020)، وفي التغول الصهيوني على الحقوق والمصالح الوطنية العليا مع مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" في تموز / يوليو 2018، وما سبقها واعقبها من هجوم غير مسبوق ومحموم في عمليات التهويد والمصادرة للآرض الفلسطينية، والذي مازال يتصاعد بتواتر شديد عشية رحيل تاجر العقارت من البيت الأبيض.
أهمية درس الإنتفاضة العظيمة تأكيدها على حقيقة راسخة وعميقة، ان الشعب العربي الفلسطيني، العامل الأهم في معادلة الصراع العربي الصهيوني، قادر، ويملك كل اوراق القوة على هزيمة ودحر كل المؤامرات، وعمليات التصفية للقضية والمشروع الوطني، ويستطيع بارادته الفولاذية على قلب معادلات الصراع رأسا على عقب. ودون قبول الشعب وقيادة منظمة التحرير الحل السياسي الممكن والمقبول على اساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيرام/ يونيو 1967 وضمان عودة اللاجئين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، لا يمكن وجود إستقرار، ولا امن ولا سلام في الإقليم خصوصا والعالم عموما. بتعبير اعمق، درس الإنتفاضة الثورة الأهم، انها أعادت الأمل للشعب الفلسطيني. وأكدت ان شعبا يملك إرادته السياسية، ويتمسك باهدافه الوطنية وثوابته لن يهزم مهما اشتدت حدة الأزمات، وتكثفت الغيوم الملبدة في سمائه، وإتسعت دائرة القوى المعادية والمتربصة به. ستبقى ذكرى الإنتفاضة نبراسا مضيئا للشعب العربي الفلسطيني العظيم لمواصلة كفاحه التحريري وصولا لإهدافه السياسية غير منقوصة شاء من شاء، وأبى من ابى.
[email protected]
[email protected]