الانتخابات: نموذجان ودروس

بي دي ان |

21 مايو 2022 الساعة 12:18ص

تكريس العملية الديمقراطية بجوانبها المختلفة في مجتمعاتنا العالم ثالثية عامل هام لتطور مركبات المجتمع المختلفة، وتجديد الدم في المؤسسات التشريعية السياسية والنقابية، والارتقاء في اليات وخطاب المنافسة الواعية بين المرشحين والكتل والقوائم ذات الصلة بالانتخابات، احد ابرز تجليات العملية الديمقراطية. وبالتالي الانتصار والانحياز لديمومة ودورية الانتخابات في كافة المستويات تعكس مستوى نضج وتطور المجتمع، وتعزز مكانة النظام السياسي، والعكس صحيح.  
الأسبوع الماضي شهدت الساحة الفلسطينية عمليتين انتخابيتين الأولى في نقابة المحامين يوم الاحد الموافق 15 أيار الحالي، والثانية في جامعة بيرزيت يوم الأربعاء الموافق 18 أيار الحالي، وجاءت نتائج العمليتان مختلفتين، الأولى وكانت على مستوى الوطن في الضفة بما فيها القدس العاصمة وقطاع غزة، حصدت فيها حركة فتح اغلبية المقاعد، وتميزت الانتخابات في محافظات القطاع بحصول فتح على المقاعد الست كاملة غير منقوصة؛ والثانية اقتصرت على مجلس طلبة جامعة بيرزيت وحصدت فيها الكتلة الإسلامية (انصار حركة حماس) على الأغلبية وبفارق عشرة مقاعد عن حركة فتح. وكلا التجربتين انتصرت للديمقراطية، وعكست إرادة المقترعين المتباينة في الحقلين المذكورين، واي كانت الملاحظات الذاتية والموضوعية التي رافقت الانتخابات، الا ان الضرورة تملي المباركة للفائزين.
ومن الملاحظات والدروس الواجب تدوينها واستخلاصها من تجربة الانتخابات المذكورة انفا بالإضافة للانتخابات البلدية والمجالس المحلية التي جرت في دورتها الثانية في اذار / مارس الماضي، أولا التأكيد على ان النظام السياسي الفلسطيني بقيادة الشرعية الوطنية متمسك بتعزيز العملية الديمقراطية في مختلف مناحي الحياة، بعكس الحركة الانقلابية الاخوانية التي ترفض من حيث المبدأ السماح باجراء الانتخابات في أي ميدان من ميادين الحياة في محافظات قطاع غزة؛ ثانيا اقامت حركة حماس الدنيا ولم تقعدها في اعقاب صدور نتائج الانتخابات، واعتبرت ذلك "نصرا مبينا" في عرين الشرعية الفلسطينية، وانتصارا لخيارها الانقلابي، وهذا مناف للحقيقة والواقع، رغم فوز كتلتها، والدليل تمثل في انتخابات نقابة المحامين والانتخابات البلدية في دورتيها، وفي غيرها من مجالس طلبة الجامعات الفلسطينية؛ ثالثا فوز كتلة حماس في بيرزيت كان نتاج أخطاء وخطايا وقعت فيها منظمة الشبيبة الفتحاوية، وانتهاجها سلوكيات غير مبررة، ولا تستقيم مع روح العمل الديمقراطي؛ رابعا استقالة امين سر حركة فتح في محافظة رام الله والبيرة والطاقم المشرف على الانتخابات في الجامعة، وهذا يعكس حجم المسؤولية العالي لدى المعنيين تجاه النتائج المخيبة للامال ولمكانة وثقل حركة فتح، ونتيجة شعورهم بالتقصير في تحقيق الغايات المرجوة؛ خامسا تدخل إسرائيل غير المباشر في ترجيح كفة كتلة حماس من خلال اعتقالها مجموعة من ممثليها عشية الانتخابات، كما فعلت في انتخابات مجلس بلدية البيرة، عندما اعتقلت رئيس قائمة حماس، وفي الوقت ذاته سمحت دولة الاستعمار بإقامة استعراض عسكري لفرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين دون تدخل، وهو ما يعني ان حكومة بينت تمنح حماس الضوء الاخضر لتوسيع دائرة نفوذها ليشمل الضفة الفلسطينية؛ سادسا ابتهاج وتغني انصار اليسار في الجامعة بفوز حركة الاخوان المسلمين شكل فضيحة معيبة بحق كل من ادعى انه يمثل اليسار والوطنية الفلسطينية. لان المصلحة الوطنية كانت ومازالت تحتم على اليسار بمشتقاته كلها على الأقل ان يصمت، لا ان يرقص ابتهاجا بهزيمة قائدة المشروع الوطني، مهما كانت حدود التباين والتناقض مع حركة فتح؛ سابعا أي كانت العوامل الذاتية والموضوعية التي أسهمت في فوز كتلة حماس، فإن الضرورة تتطلب من منظمة الشبيبة وحركة فتح بكل مكوناتها مراجعة الذات، والوقوف امام الأخطاء، ومحاسبة كل من يتحمل المسؤولية عما حدث؛ ثامنا لا يجوز تحميل السلطة وحكومتها واخطاءها ونواقصها المسؤولية عن الخلل الفادح في عمل منظمة الشبيبة، وان كان لها تأثير فهو تأثير جانبي وثانوي. لان أساس الخطأ يكمن في أبناء الشبيبة في الجامعة ذاتها، واليات عملهم، وغياب الرؤية الموحدة لادارة المعركة الانتخابية، والتواطؤ غير المعلن من قبل العديد من كوادر الشبيبة مع كتلة حماس، كما اعلن الحاج موفق، الذي قدم استقالته من قيادة الإقليم، وابدى استعداده للادلاء بشهادته امام أي لجنة تحقيق فتحاوية لوضع الأمور في نصابها... إلخ

مع ذلك على الشبيبة وحركة فتح والسلطة وحكومتها الاعتزاز والافتخار بدورها في كونها رسخت المعايير الديمقراطية، التي ترفضها جملة وتفصيلا حركة حماس الانقلابية، والتعلم من الدروس والعبر الناجمة عن العملية الانتخابية في بيرزيت، وتنتهج السلوك والمعايير الموضوعية في محاسبة الذات. وعلى كتل اليسار ان تراجع نفسها، وتعيد النظر في انحيازها المرفوض والقاصر وغير المشروع بكل المعايير الفكرية والسياسية والقيمية والاجتماعية والثقافية مع تيار الاخوان المسلمين.