شيرين أبو عاقلة سامحينا

بي دي ان |

13 مايو 2022 الساعة 05:07م

معظمنا شاهد الجدل الغليظ والمرهق بين الإسلاميين أنفسهم، فمن يُجيز الترحم على شيرين أبو عاقلة ومن يمنع ويُحرم الترحم عليها، أو الاستغفار لها، أو اعتبارها شهيدة، وما رافق ذلك من لغط وسب وشتم، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى التكفير وإخراج من الملة و... وساق كل طرف أدلته من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤيد رأيه، وصواب اعتقاده، مما أدى ذلك بالنتيجة إلى حرف البوصلة عن الجريمة الحقيقية التي ارتكبها الاحتلاال بحق أبناء شعبنا، وبدل أن نتكاتف ونشد على أيادي بعضنا البعض في إيصال الأمر إلى محكمة الجنايات الدولية، أو استغلال الحدث لكشف جرائم الاحتلال وفضحه أمام العالم، ونشر رواياتنا الفلسطينية الحقة، خاصة أن الجريمة على الهواء مباشرة، وبعد أن تم قتل شاب فلسطيني على أحد الحواجز يبلغ من العمر 17 عامًا بعد اغتيال شرين بست ساعات، غرقنا في مناكفات تزيدنا تفرقًا وشرذمة، مع أنه كان هناك اجماع وطني على شيرين، وكان من الممكن أن نلتحم كشعب فلسطيني واحد، له هم واحد وقضية واحدة، لكن هناك من هو معني بأن يخرج علينا كل مرة ليشتتنا ويفرقنا ويشرذمنا، ويحرفنا عن قضيتنا الأساسية. 
 وانطلاقًا من أن مشكلتنا دينية فكرية ثقافية، فلا بد من التعامل مع ما حدث بجد، ونوقن أن هناك فعلًا مشكلة وأزمة لا يمكن التغاضي عنها، وأنه لا يجب علينا أن ندفن رؤوسنا في الرمل كما يفعل النعام، ولأنني أميل إلى ما يوحدنا ويجمع كلمتنا، ولأن ديننا دين الإنسانية جمعاء، ودين الوسطية والاعتدال، والحب والخير والعطاء، فأنا أميل وأذهب بالكلية إلى الطرف الذي يقول بجواز الترحم على النصراني، والدعاء له، وطلب الجنة لشخص معين بالذات، وسأسوق الأدلة على ذلك، ولا أُنكر على من قال بعدم الجواز ولكني أقول له: خذ بالورع أنت، وشدد على نفسك أنت، ولا تأخذ بالرخص أنت، وما دام في الأمر متسع فلا تُجبر الآخرين على اعتقاد ما تؤمن به، ولا أن تُلزمهم برأيك، فإن خالفوك انتهرتهم، وتوعدتهم، واستهزأت بهم، وكفرتهم، وأدخلتهم نار جهنم، عندها بدل أن تكون تنصر دين الله، وتدعو إليه، وتنور لهم طريقهم؛ فإذا هم يجدون فيك غلظة وشدة؛ فينفرون منك ومن تشددك ومن دينك، ويكفرون بكل ما تقول به، فيخرج الناس من دين الله أفواجًا. 
إليك أيها المتشدد منشوري هذا وليس لغيرك، لعلك تهون على نفسك، ولعلك تفكر مرتين، ولعلك تتراجع في مرات قادمة عن غلظتك، فأنا وأنت نريد نصرة الإسلام أولًا وأخيرًا، ونريد للعدل أن يسود العالم، ونريد لأمتنا أن ترقى، فحنانيك على مخالفيك. 
أيها المتشدد أنت تستدل على أن النصراني أنه مشرك بهذه الآية، قال تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ). فتعتبر شيرين مشركة، ولكن هل هي فعلًا مشركة، الجواب: طبعا لا، فالمسيحي أو النصراني ليس مشركًا، فلله سماهم في القرءان أهل الكتاب، وأجاز للمسلمين الزواج من نسائهم، ثم الله قال في بعض أهل الكتاب: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، تخيلوا .. خاشعين لله، وآية أخرى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، هل أنزل الله هذه الآية عبثًا، أو نسيها، أو تركها في القرآن هكذا .. حاشاه ربي في علاه، ثم انظر لهذه الآية التي تذكر الذين أشركوا كنوع منفصل عن أهل الكتاب وعن غيرهم.. ولو كانوا نوعًا واحدًا ما فصلهم الله هنا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). 
كما أن هناك آيات أخرى تقول: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير)، وقال أيضًا: (لَيْسُواْ سَوَآءً ۗ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)، ولقد رأينا بأم أعيينا أن هذه الآية لا تنطبق على المسلمين وحدهم، فالبشر جميعًا إما ظالم لنفسه، أو مقتصد، أو سابق بالخيرات، فلماذا تريدون أن تجعلوا الجميع في سلة واحدة؟
أما الأدلة من السنة النبوية: قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: مات الليلة أخوكم أصحمة بن أبجر النجاشي قوموا بنا نصلي عليه!  فقال بعض الأصحاب: كيف نصلي على رجل (مسيحي) من غير ديننا؟ فأنزل الله: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا أولئك لهم أجرهم عند ربهم، وعاد بعض الأصحاب يقولون: كيف نصلي عليه وهو مسيحي يصلي إلى بيت المقدس ولا يعرف الكعبة؟ فأنزل الله: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله!! وأجمع الرواة أن النجاشي كان ملكاَ مسيحياَ يحكم أكسوم شمالي الحبشة، وأنه استقبل المسلمين وحماهم من قريش وذكر النبي الكريم بخير وأثنى عليه وشهد بنبوته وعده بعض الرواة صحابياَ، وأجمعوا أنه لم يصل صلاتنا ولم يستقبل قبلتنا ولم يهاجر ولم يحج، ولم يغلق كنيسة ولم يبن مسجدًا، وعاش بين البطارقة والكهنة يحمل صليبهم، ويصلي صلاتهم في كنائسهم حتى وفاته، وحين توفي صلى عليه الكهنة والقساوسة في الحبشة ورسول الله والصحابة في المدينة وازدهرت المسيحية في عهده وبعد موته، وساد جو من المحبة بين المسيحية والإسلام، والروايات المذكورة مفصلة في تفسير الآية ١١٥ البقرة. الطبري والقرطبي وابن كثير والسيوطي اضافة الى البخاري ومسلم والسنن.
وبما أن المسألة خلافية عند أهل العلم فلماذا تريد مني أن أتشبث برأيك، وآخذ به، ولا آخذ بالرأي الذي فيه أكثر رحمة، وأكثر إنسانية، أرجوكم اتقوا الله بالناس فقد كرهت الدين لغلظتكم، وتشددكم، وما تقوله السنتكم وما تخطه أقلامكم.  

رحمك ربي شيرين ابو عقلة وغفر لك وأسكنك فسيح جناته يا أيقونة فلسطين ووردتها وصوتها الحر .