إمكانية تشكيل حزب مختلط

بي دي ان |

06 ديسمبر 2020 الساعة 07:27ص

شّرع بعض النشطاء من الفلسطينيين والإسرائيليين داخل دولة إسرائيل الإستعمارية في المبادرة لتشكيل إئتلاف جديد لدخول حلبة الإنتخابات البرلمانية القريبة القادمة إلى جانب القوى والكتل الحزبية الأخرى. وجاءت الفكرة بعد سلسلة لقاءات عديدة، والتواصل بين نخب ذات رصيد سياسي وإجتماعي وثقافي وبرلماني من الجانبين، وتبادل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي رسائل (اشرت لها فيما سبق هنا بعنوان "رسالتان ناقصتان") لتبادل الأفكار الأساسية الناظمة لعملهما، والتي يمكن اعتبارها بمثابة الوثائق المحددة لإسس الشراكة والتعاون بينهما. مع ضرورة اغناءها وتطويرها بحيث تكون واضحة الملامح سياسيا وقانونيا وديمقراطيا وتاريخيا.
مما لا شك فيه، ان هذة الخطوة ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن القوى والنخب المختلفة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني كانت تتهيب الإقدام عليها، رغم ان غالبية القوى الصهيونية ضمت شخصيات فلسطينية عربية، وايضا قوى فلسطينية بطابعها الأساسي ضمت شخصيات إسرائيلية، مثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي). بيد ان الخطوة الجديدة اكثر وضوحا، وإقترابا من ملامسة الواقع القائم، ومحاولة جادة لكسر التابوتات الصنمية الصهيونية المتطرفة، التي تعمل على الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين المؤمنيين بخيار العدالة والمساواة والديمقراطية والسلام، ورفض العنصرية وعنوانها الأبرز "قانون القومية الأساس".
هذة المحاولة المحفوفة بالمصاعب والتعقيدات، لا يمكن لغالبية القوى الإقدام عليها، وغالبيتها تخشى مجرد التفكير بها، بعضها لرفض الفكرة من الأساس وخاصة من القوى الصهيونية، التي تعتبرها نقيضا للفكرة الصهيونية ومشروعها الكولونيالي، والبعض الفلسطيني القومي يفترض فيها تساوقا مع المشروع الصهيوني، وتغييبا لحقائق الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني. ونموذج من هذة القوى الصهيونية، التي تدعي انها جزءً من "اليسار"، واقصد حزب "ميرتس"، الذي تقدم خطوة للإمام نحو الفكرة، لكنه بعد إجراء إستطلاع داخل صفوف حزبه تراجع عنها، بعدما تبين أن هكذا خطوة ستضعفه، وتبعد عنه انصاره من الصهاينة، حسبما افادت صحيفة "هآرتس" يوم الأربعاء الثاني من ديسمبر الحالي (2020).
وتبين للصحيفة من الإستطلاع، ان 0.7% من ناخبي الأحزاب الصهيونية المصنفة ب" يسار – الوسط" سيصوتون لحزب "فلسطيني – إسرائيلي"، في حين قالت نسبة  21.6% من المستطلعين تفكر في إمكانية التصويت لقائمة، تضم تشكيلة متساوية من الجانبين، ومواقفها تتراوح بين مواقف حزب "هناك مستقبل" (يش عتيد) والقائمة المشتركة. وقال احد قادة "ميرتس" على ضوء نتائج الإستطلاع، أنه "لا يوجد لخطوة كهذة أي إحتمال" بالنجاح. وهذا الإستنتاج يعكس إسقاطا رغبويا ارادويا للمسؤول الميرتسي.
من المؤكد ان الخطوة تحمل في طياتها مغامرة محسوبة، وهي إختراق جديد لمنظومة العمل الكلاسيكية القائمة في الدولة العبرية، وبرأي ان قيمة الخطوة، في حال تمكن القائمون عليها من تشكيل إئتلاف مقبول من الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي الداعم لخيارالسلام والديمقراطية والرافض للعنصرية، وبغض النظر ان تجاوز او لم يتجاوز نسبة الحسم في الإنتخابات القادمة مطلع 2021، فإنها تكون قد كرست نفسها في المشهد السياسي والحزبي كقوة مشاركة في المشهد، وصاحبة صوت محدد، وذات ملامح خاصة مغايرة لكل الأصوات القائمة من الجانبين تقريبا. وهروب "ميرتس" من التجربة، يعود لعدم تمكنه من الخروج عن الثوابت الصهيونية، وايضا في ذات الوقت، لا يريد لهكذا إئتلاف الوجود، لإنه سيسحب البساط من تحت اقدامه إسوة ببعض القوى الصهيونية المحسوبة على ما يسمى "يسار – الوسط" او حتى بعض القوى السياسية الفلسطينية.
كنتيجة إستشرافية لمستقبل هكذا إئتلاف، يمكن الجزم، انها تحتاج إلى لمزيد من الوقت، والى عملية إنضاج للوعي الجمعي بأهميتها وضرورتها لإختراق جدار الصهيونية الرجعية، والمعادية للسلام، والساعية لتأبيد الإستعمار على كل الأرض الفلسطينية. وتواجه تحديات كبيرة وشائكة تضع فرضية عدم تجاوز نسبة الحسم اولوية. بيد ان ذلك، ليس مهما، المهم تكريس التجربة في الواقع، والتاصيل لها، والعمل على إستقطاب قوى ونخب جديدة من خلال تجربتها العملية، وانتشارها في اوساط التجمعات الفلسطينية العربية والإسرائيلية بتلاوينها المتعددة والمتشعبة لتكريس ذاتها كعنوان للسلام والمساواة ومعاداة العنصرية، ومحاصرة سياسات اليمين الصهيوني المتطرف.
[email protected]
[email protected]