صراع القوى الفكري السياسي

بي دي ان |

26 ابريل 2022 الساعة 12:15ص

الصراع بين القوى والأحزاب والحركات والمدراس الفكرية والعقائدية لا ضوابط له، مفتوح على مدياته في دحض الرأي الاخر، وكشف عوراته ومثالبه ونواقصه. لان كل قوة تسعى أولا للتأكيد على صوابية خلفياتها الفكرية السياسية واستتباعاتها في المجالات الأخرى؛ ثانيا لفضح وتعرية مواقف القوى الأخرى، وإظهار عيوبها واخطارها على المستويات الوطنية والقومية على النطاق الداخلي، وفي حالات الصراع بين المدارس الفكرية يتخذ الصراع بعدا إنسانيا أوسع واعمق؛ ثالثا لاستقطاب الجماهير والنخب ذات الصلة بمسألة الصراع بهدف التفافها حول برنامج هذه القوة او تلك، او لدعم مرتكزات هذه المدرسة او تلك الفرقة الفلسفية الفكرية او العقائدية (الصراع بين المدارس الفقهية الدينية والطائفية والمذهبية).  
كما ان الصراع بين القوى له مستويات متعددة، منها الصراع بين الأعداء على المستويين القومي والاجتماعي الطبقي والديني، الذي يتم تغذيته من قبل القوى الخارجية لتمزيق وحدة ونسيج شعب من الشعوب، او بين الدول ذات المعتقدات الدينية المختلفة؛ والصراع بين القوى والفرق داخل حدود مجتمع بعينه؛ والأخيرة تنقسم الصراعات بين مركباتها الحزبية لمستويات متعددة وفقا وارتباطا بحدود التوافق والتباين او التناقض. بعضها يكون التناقض تناحريا اسوة بالتناقض مع الأعداء، وبعضها يكون التناقض غير تناحري، ويبقى في حدود التعارض والتباين.
مع ذلك كل التناقضات لا تسير على وتيرة واحدة، فترتفع او تنخفض حدتها في سياق تطور العمليات الاجتماعية والفكرية السياسية وما ينجم عنها من أزمات بابعادها الكفاحية او الاقتصادية او الفلسفية الفكرية والعقائدية. واي كانت درجة التقارب او التباعد بين القوى والنخب والأحزاب والفرق، فإن الصراع والتناقض والحراك بين القوى المتناقضة او المتعارضة يتسم بالديمومة وفقا للمقولة الفلسفية القائلة "الحركة دائمة والسكون نسبي"، وهو ما يسهم في تطور أو اضعاف او نفي الاخر ارتباطا بالشروط التاريخية والمكانية وتطور قوى وعلاقات الإنتاج وانعكاسها على الوعي المجتمعي.
وحتى لا استفيض في هذه العجالة (المقالة) ساتوقف عند طبيعة الصراع داخل الساحة الفلسطينية عموما، وبين حركة حماس الاخوانية وفصائل منظمة التحرير بخلفياتها الفكرية المتعددة وعلى رأسها حركة فتح. رغم وجود التعارض والتباين بين قواها وفصائلها، بيد ان ما يجمعها وطنيا وقوميا وديمقراطيا كبير وكبير جدا، بعكس التناقض مع حركة حماس، التي وبالرغم من اشهارها راية "المقاومة" بعد اشتعال شرارة الانتفاضة بشهر، تحديدا مطلع عام 1988، وبعد اكثر من عشرين عاما على انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، اضف إلى انها لم تأتِ كرديف وسند لفصائل وقوى الثورة الفلسطينية، انما كنافي للهوية الوطنية ولمنظمة التحرير، وهناك الاف الأدلة على ذلك، أولها رفضت الانخراط في القيادة الوطنية الموحدة، كما ترفض الان ذلك؛ وثانيا شقت الصف الوطني من لحظة تبنيها "المقاومة" عندما رفضت الالتزام ببرنامج ونداءات (قاوم)، وأصدرت بياناتها الخاصة... وصولا لانقلابها على الشرعية في أواسط 2007، ومازالت تصر على التخندق في خنادق الامارة الاسلاموية في قطاع غزة على حساب وحدة الصف؛ ثالثا رفضت كل الاتفاقات واوراق المصالحة، رغم توقيعها عليها جميعها، وتذرعت بذرائع واهية لابقاء حالة الانقسام والتشرذم داخل الساحة الوطنية تنفيذا لاجندة الاخوان وقوى إقليمية ودولية ذات صلة بتصفية منظمة التحرير.
ما تقدم ليس الا الجزء اليسير من ملامح الصراع الوطني والاخواني الاسلاموي، ما يهمني هنا ابراز سمات وملامح خطاب الجماعة، الذي استهدف ويستهدف بالأساس الشخصية والهوية الوطنية تحت ذرائع ممجوجة ومزورة ومرفوضة من الشارع الوطني كله. لان خطاب فرع جماعة الاخوان المسلمين ارتكز على مقولات "التخوين" و"التكفير" و"الترهيب" لتبرير الانقلاب وعمليات القتل الجبانة تنفيذا لشعار " ادخل به الجنة"، ولتغطية استمراء خيار الامارة على حساب المصالح الوطنية العليا. ولا اضيف جديدا عندما اذكر بان خطاب المجمع الإسلامي في قطاع غزة منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وقبل المجمع خطاب مكتب الارشاد للتنظيم الدولي للاخوان  كان ضد مبدأ الكفاح المسلح وانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، كما كانوا يعتبرون شهداء الثورة لا يمتوا للشهادة بصلة، ويطلقون عليهم مفهومهم القذر والاجرامي "فطايس"، مع ان مجموعات منهم حاولوا الاقتراب من الثورة في الأردن، واقاموا بعض القواعد في الجنوب تحت رعاية وحماية قواعد حركة فتح، بيد انهم سرعان ما انفضوا عن المشروع الكفاحي، وبقي خطابهم "تخويني" للثورة وقيادتها، رغم ان من اطلق شرارة الثورة المعاصرة حركة فتح، التي كان جل قيادتها من مدرسة الاخوان المسلمين، ولكنهم تمردوا عليها منذ البدايات الأولى، ورفضوا خيارها وبرنامجها العقائدي السياسي.
وبعد ان تم تهيأتهم للانخراط في المشهد السياسي الفلسطيني من قبل التنظيم الدولي للاخوان بالتعاون مع قوى عربية وإقليمية ودولية لسحب البساط من تحت اقدام منظمة التحرير، وتمزيق وحدة الصف الوطني، واصلوا نهجهم وخطابهم "التخويني" و"التكفيري" والتحريضي على حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بكل مكوناتها مع استثناءات تكتيكية مع بعض الفصائل المشوشة فكريا وسياسيا حتى يوم الدنيا هذا.
وحين يقوم انصار الدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية والثوابت السياسية بتشخيص خلفية ومنطلقات خطاب وممارسات واهداف التنظيم الدولي للاخوان المسلمين وفروعه المختلفة بما فيهم وفي المقدمة منهم حركة حماس (أداتهم الضاربة لتنفيذ مخطط الجماعة واسيادهم الغربيين التمزيقي والتخريبي والتشويهي للنضال الوطني والقومي والديمقراطي، حينما سيدواهم على رأس الثورات الشعبية العارمة في دول الوطن العربي: في مصر وسوريا وتونس وليبيا والجزائر والمغرب والعراق والأردن والسودان والصومال والخليج العربي) يخرج بعض أصحاب الرؤى الوسطية، او المتوجسة من تداعيات كشف حسب ونسب وخلفيات تلك الفروع، والغيورة بطبيعة الحال على المصالح الفلسطينية لاعلان استياءهم وعدم تفهمهم من كشف حقيقة قادة الحركة والجماعة على حد سواء، في الوقت الذي لا ينطقون ببنت شفة على خطاب أولئك التكفيريين، ولا يوجد تبرير علمي لذلك..
وقبل ان اختم، بودي ان اذكر كل من يخشى من فضح وتعرية خطاب حماس ومن لف لفها من القوى المتورطة في اجندات متناقضة مع مصالح الشعب العليا، ان المصلحة الوطنية تحتم إزالة المساحيق والمكياج وأدوات التجميل المختلفة عن وجه الجماعة عموما وحركة حماس خصوصا. وهذا لا يتعارض مع الدعوة للوحدة الوطنية. لان حماس ليست أولا بوارد المصالحة الوطنية؛ ثانيا في حال توطنت في المشروع الوطني بالضرورة سيتم إعادة النظر في الخطاب الفكري السياسي. لكن دون ان يسقط حق كتاب الراي الوطنيين والديمقراطيين من كشف المستور في ارتباطاتهم واجنداتهم المشبوهة واللا وطنية، ومحاكاة تجربتهم وانزلاقاتهم الخطيرة والمهددة للمشروع الوطني.
كما انني اود ان اشير لبعض النماذج في الصراع السياسي بين القوى والرموز في عدد من الدول، لنأخذ القوى والأحزاب الصهيونية من مختلف المشارب والصراع بينهم، الذين يتقوقعوا ويتخندقوا في ذات الحركة الصهيونية الاستعمارية الرجعية، عندما تشتد الاختلافات فيما بينهم لا يتركوا مفردة ولا مصطلحا تخوينيا او تكفيريا او تشويهيا الا ويستخدموه في مواجهة بعضهم البعض، ولكن عندما يجد الجد يعودوا جميعا للعمل سويا لخدمة مشروعهم الكولونيالي. نموذج اخر، النموذج الأميركي والصراع بين اقطاب الحزبين الجمهوري والديمقراطي عموما ومرشحي الرئاسات خصوصا يستخدموا ضد بعضهم البعض ابشع التوصيفات، ومع ذلك عندما تستدعي الضرورة الدفاع عن المصالح الأميركية تجدهم في خندق واحد. نموذج ثالث النموذج الفرنسي، الذي شاهدناه خلال الحملات الانتخابية الأخيرة بين مرشحي الرئاسة وما حملته من ردح وقدح وذم وشخصنة، بيد انهم بعد الانتخابات يلتزموا جميعا بالنتائج، وقد يعملوا سويا؛ والنموذج الفلسطيني ليس استثناءا، ومن يريد الوحدة الوطنية عليه ان يملك الشجاعة لمحاججة كل القوى دون استثناء وفي المقدمة منها حركة حماس. والواجب يملي على كل وطني غيور على المشروع الوطني والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير اماطة اللثام عن وجه حركة حماس الحقيقي دون رتوش وبلا مساحيق، طالما بقيت في خنادق الامارة، وترفض العبور لبوابات المصالحة، وتهدد المشروع الوطني برمته. وعندما يعودوا لجادة الوطنية ويبتعدوا عن مدرسة الاخوان التكفيرية، التي لا تعترف بالاوطان والوطنية ولا بالقومية ولا بالمواطنة ولا بالمساواة والتسامح بين أبناء الشعب الواحدة، ستكون المحاكاة مختلفة. وبالنتيجة وصفهم بسماتهم، وكما هم في الواقع لا يعطل المصالحة ان جنحوا لها. فهل يدرك أولئك الوطنيون أهمية وضرورة المكاشفة والمصارحة مع القوى والحركات والفصائل؟
[email protected]
[email protected]