هاني حبيب في حضرة الغياب

بي دي ان |

03 ابريل 2022 الساعة 05:58ص

هاتفتني صباح يوم الجمعة بصوت ممجوج بالخوف والقلق يصاحبه رجفة خفية، رانية وينك؟ هاني تعرض لجلطة دماغية صعبة والأطباء هنا مهملين "احنا بمستشفى الشفاء"، توجهت بسرعة ًوأنا أدرك خطورة اتصال صديقتي إيمان زوجة هاني، وصلت المستشفى وإذ بهاني راقد على السرير مستسلما لغيبوبة لم يستطع مقاومتها، الجدران حزينة صامتة كحزن إيمان وابنته الوحيدة تغريد، حاولت تخفيف المصيبة عليهن وبداخلي خوف حقيقي من مستقبل مريب بدأ من وضع هاني أنه قريب، أجريت اتصالات مع بعض الأطباء الأصدقاء وعرفت من خلال متابعتهم وتواصلهم مع المستشفى أنه ربما ساعات تفصلنا عن فقدان أبو شادي، كان لابد من إخفاء ذلك على صديقتي التي لا تستطيع ولا تنتظر مثل ذلك الخبر المفجع.

ساعات طويلة قاسية علينا جميعا ونحن ما بين تواصل مع أطباء ومراقبة أنفاس هاني مصحوبة بتضرع إلى الله أن يحدث معجزة تعيد هاني إلى الحياة، عقارب الساعة تدق العاشرة والنصف مساء ونحن نتابع أنفاس هاني التي توقفت فجأة مع ضجيج عم المكان أين الأطباء، حاول الأطباء زيادة الاوكسجين وتنفس صناعي، ومع الأسف محاولات باءت بالفشل وربما هي ساعة ترجل الأخ والصديق وزوج الصديقة، ليغادرنا الكاتب والاعلامي الكبير هاني حبيب. 

غادر هاني بهدوء كعادته ودون أن يثقل على أحد تاركا حزنا وصدمة شديدة لأسرته ومحبيه وللأسرة الاعلامية التي كان رائدًا لها، ولعل من حسن حظ أبو شادي أنه تمكن أخيرًا من رؤية ابنه شادي قبل شهرين، بعد غياب سبعة وعشرين عاما من الفراق. 

هاني حبيب كان من أوائل الإعلاميين الذين تعرفت عليهم مع بداية قدوم السلطة الفلسطينية لأرض الوطن مع بداية عملي الصحفي أنذاك، وكان هو مدير بوزارة الإعلام مع نخبة وقامات إعلامية كبيرة كان من بينهم د. محمود خليفة والكاتب الكبير توفيق أبو شومر، ورجب عطا أبو سرية وطلال عوكل حفظهم الله، وغيرهم من الاعلاميين الذين شكل قلمهم أداة وطنية قوية في الدفاع عن الرواية الفلسطينية. 

هاني حبيب الذي كان من أهم كتاب مجلة "الهدف" مع بداية السبعينات وصاحب عمودا أسبوعي في جريدة الأيام، وكاتب أعمدة ومقالات في العديد من الصحف الفلسطينية والعربية، كان كاتبا لفلسطين وللقضية الفلسطينية بلا انحياز، صاحب قلم ورأي بوصلته الوطنية واضحة، ملم بالقضايا العربية والدولية بشكل كبير وكتب عنها.

منذ قدومه لأرض الوطن ولم يبخل بعطائه وعلمه ومعرفته، كلما استدعته مؤسسة لإعطاء دورات ولقاءات، لبى النداء بكل رحابة صدره، يعطي كل الاعلاميين الجدد والخريجين قيمة، وأنا على يقين أن معظم الاعلاميين هنا في غزة،  تلقوا منه تدريبات ووضع لهم منهجا، ونهلوا منه ما استطاعوا وما رغبوا ورغب. 

هاني حبيب "نبيل شنينو" أبو شادي عرفته وعرفه الوسط الاعلامي والمثقفين بدماثة خلقه وهدوئه. 

ترجل هاني حبيب الإعلامي الكبير والمحلل السياسي ، تاركًا إرثًا غنيًا تستفيد منه الأجيال المتعاقبة وتخلد ذكراه، قامة وطنية إعلامية مشهود لها، وليس غريبًا أن ينعيه العديد من المؤسسات الرسمية والنقابية والفصائل الفلسطينية، فقد خسرت فلسطين رائدا إعلاميا ورجل وطني وقلم حر هي بأحوج الأوقات إليه في ظل الواقع الفلسطيني المتردي. 

لروحك السلام والرحمة والتعازي لأسرته وكل فلسطين.