احذروا الفخ الإسرائيلي الداعشي

بي دي ان |

28 مارس 2022 الساعة 11:49م

بين العاطفة والمنطق العقلي البارد مسافة كبيرة، إن طغت العاطفة على موقف الفرد او الجماعة في أي مسألة حياتية او سياسية او اقتصادية او ثقافية او دينية، فإنها تأخذهم إلى مسارات الانفعالية والارتجال والفوضى، وغياب المحاكمة الموضوعية والعقلانية لحدث بعينه، وتؤدي للسقوط في متاهة الأعداء والخصوم، ويمكن تشبيهها بالمقولة الشعبية السائدة في المجتمع الفلسطيني " كمن يطلق النار على قدميه". في حين المعالجة العلمية والواقعية لحدث ما تحتاج إلى أولا برود الاعصاب، وابعاد ردة الفعل العاطفية كليا عند مناقشة الأسباب والاثار والتداعيات لاستخلاص نتائج واقعية؛ ثانيا استشراف المستقبل من تجارب الماضي البعيد والقريب؛ ثالثا قراءة سياسات واهداف العدو او الخصم التكتيكية والاستراتيجية كعامل أساس في قراءة الحدث.
وعليه لا يجوز لفرد او مجموعة او شعب العوم على شبر ماء آسن، حتى لو كان يبدو الحدث للحظة وكأنه يصب في المصالح الخاصة آنيا، وبالتالي الابتعاد على الطيش والغلو والخطاب الغوغائي العاطفي الانفعالي. والجلوس الهادىء وتمحيص المعطى، واستقبال الحدث، وقراءة مكوناته وقواه وخلفياتهم، وكيفية وجودهم في المجتمع او المجتمعات، ومن يقف خلفهم، وما هي أهدافهم الحقيقية في المجتمع، ومن يخدمون ... الخ
ما تقدم على علاقة عميقة بعملية الخضيرة يوم الاحد الماضي الموافق 27 مارس الحالي، والتي أدت لسقوط قتلى في الجانب الإسرائيلي بالإضافة لمنفذي العملية، والذين اعلنوا بشكل واضح في شريط فيديو انهم ينتمون للتنظيم الإرهابي المسمى "داعش"، الذي اسسته ودعمته ومولته الولايات المتحدة الأميركية باعتراف هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأسبق وغيرها من اركان الدولة العميقة، وشاركها في ذلك دولة الاستعمار الإسرائيلية، وبهدف استخدام تلك المجموعات التكفيرية المختلفة في تمزيق وحدة الشعوب والدول العربية، ولتشويه الإسلام الحنيف والإساءة له عن سابق تصميم وإصرار، وأيضا لتشويه صورة القوى الوطنية والقومية والديمقراطية، وفرض حضور قوى التخريب والتكفير والإرهاب مكانها، وهو ما حصل في العراق وسوريا وليبيا والصومال والجزائر ومصر ولبنان وتونس والسودان واليمن ...الخ، وهي الدول التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وتركيا ومن تساوق معهم من دول الغرب الأوروبي على طاولة التحريب والتمزيق ولاحالتها لمصاف الدول الفاشلة، وتفتيتها لدويلات دينية وطائفية ومذهبية مشوهة.
وبالمناسبة هي المرة الأولى التي تقوم فيها داعش بعملية عسكرية في إسرائيل وضدها، مع انها موجودة رسميا في المشهد العربي والإقليمي والعالمي منذ العام 2013، كونها وجدت مع اندلاع شرارات ثورات ما يسمى "الربيع العربي"، وهو ما يطرح الف علامة سؤال لماذا الان؟ وما الهدف منها؟ وهل فعلا "داعش" معنية بمقاومة الاستعمار الإسرائيلي؟ وهل أجهزة الامن الإسرائيلية فعلا تفاجأت بالعملية، ام انها تقف خلفها، وهيأت لها شروط النجاح؟ وما هي مصالحها؟ وهل هي العملية الأولى التي تنفذها الحركة الصهيونية ودولة الاستعمار الإسرائيلية ضد اتباع الديانة اليهودية وحملة الجنسية الإسرائيلية؟
وردا على الأسئلة المطروحة بسرعة، أولا توقيت العملية الان في زمن الحرب الروسية الأوكرانية، وتحت غطاء دخان قنابلها الكثيفة، وبالتزامن مع عقد قمة النقب الاسرائيلية الأميركية بعض العربية، والنفخ في بوق ما يسمى الاستسلام "الابراهيمي" على حساب السلام الممكن والمقبول لم يكن وليد الصدفة، وانما تم اختيار التوقيت بشكل جيد لتنفيذ مخطط اجرامي جهنمي جديد؛ ثانيا "داعش" لا يمكن ان تكون إلآ جزءا من أدوات العدو الصهيو أميركي، ومعادية لكفاح الشعب العربي الفلسطيني اسوة بعدائها للشعوب والدول العربية؛ ثالثا جميعنا يعلم ان العصابات الصهيونية قامت بسلسلة طويلة من العمليات التخريبية والارهابية ضد اتباع الديانة اليهودية في الوطن العربي زمن النكبة لدفع اليهود الأبرياء للهجرة لفلسطين. كما انها اغرقت باخرة تحمل يهودا على سواحل فلسطين، لكونهم من كبار السن، وفي خضم الصراع الدائر بين عصاباتها الإرهابية، وبالإضافة لذلك اوجدت وسهلت إسرائيل جماعات إرهابية فلسطينية وعربية لخدمة أهدافها الاستعمارية. كما ان الولايات المتحدة وجهاز ال CIA تحديدا وقف وراء تدمير البرجين في أيلول / سبتمبر 2001 لخدمة اغراضها في فرض هيمنتها على العالم، وبالتالي ليس جديدا على إسرائيل وأميركا ممارسة ذات اللعبة؛ رابعا إسرائيل ضاقت ذرعا من الازدياد الديمغرافي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة بالإضافة لفلسطيني الأراضي المحتلة عام 1967، وعليه تريد التخلص من العدد الأكبر منهم من خلال استخدام ابشع واشد ادواتها العنصرية القهرية الاجرامية لتهجير أبناء الشعب العربي الفلسطيني من ديارهم، او على الأقل تنفيذ صفقة القرن الترامبية وخطة ليبرمان المشؤومة بنقل أبناء المثلث لتابعية الدولة الفلسطينية، هذا ان لم تنفذ دولة الإرهاب الإسرائيلية المنظم عمليات ترانسفير تشبه ما حصل في عام النكبة، وبالتالي تطال كل الفلسطينيين في فلسطين التاريخية.
لهذا على القوى والفصائل الفلسطينية والقوى الوطنية في ال48 والنخب الثقافية بمختلف تصنيفاتها حيثما وجدت التنبه من الخطر، الذي تمثله عملية "داعش" الأولى، وعدم الاندفاع وراء العواطف الانفعالية السطحية والساذجة والخطيرة في ان، وخاصة تلك القوى ممن يسموا اليسار، الذين خرجوا يرحبون بالعملية دون ان يدققوا، وقبل ان يبلعوا الخنجر الإسرائيلي المسموم. ليتوقف الجميع امام مسؤولياته، ويراجع حساباته جيدا، ويفكر بشكل عميق في مصالح الشعب العليا.
[email protected]
[email protected]