العنصرية والقرصنة وجهان لعملة واحدة

بي دي ان |

19 مارس 2022 الساعة 12:32ص

وجدت القرصنة البرية والبحرية في مراحل التاريخ المختلفة في زمن التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية العبودية والاقطاعية والرأسمالية، وتطورت اساليبها مع تطور المجتمعات وأدوات نهبها لبعضها البعض، وفي كل مرحلة اتسمت بخصائص تطور قوى وعلاقات الإنتاج. واخذت اشكالا اكثر رقيا وتنظيما حتى امست في زمن الرأسمالية من سمات الدولة الامبريالية والنيو ليبرالية. ويمكن التأكيد ان كل اشكال الاستعمار القديم والحديث تعتبر الشكل الافظع والأكثر وحشية ودونية، لانه يتقمص ادوارا عدة، منها ممارسة النهب والقرصنة بالاشكال الفجة والسيطرة المباشرة على الشعوب الضعيفة والفقيرة؛ ثم اتخذت دورا جديدا من خلال فرض التبعية على الشعوب ذاتها دون الضرورة لوجودها بشكل مباشر على اوطانها، ومن خلال تنصيب ادواتها المأجورة؛ وتعميقا للنموذج انف الذكر، تتم القرصنة من خلال التبعية والأدوات السيبرانية؛ وهناك النموذج الصهيوني الاستعماري الاجلائي والاحلالي الذي قام على اختلاق رواية مزورة وكاذبة، لا أساس لها في الواقع، ولا تتفق مع الجغرافيا والتاريخ ليغتصب ارض شعب آخر، هو الشعب العربي الفلسطيني وينتهج سياسات وممارسات إجرامية عبر بوابة التطهير العرقي لابنائه؛ ومن خلال فرض الخاوة المافيوية على الشعوب المستضعفة، وتحريض المعارضة المأجورة والعملية على الأنظمة الشرعية والتمهيد للانقلاب عليها، او ادخال البلاد وشعبها في دوامة الحرب الاهلية وسرقة مخزونها من الثروات الطبيعية بعد تدميرها، وتحويلها لدول فاشلة.... وغيرها من الاشكال والنماذج، والتي ترتكز على اكثر من بعد، أولا الاستقواء وغطرسة القوة؛ ثانيا العنصرية بمختلف تجلياتها؛ ثالثا نهب خيرات وثروات الشعوب؛ رابعا استخدام الوسائل كافة الناعمة والخشنة وما بينهما لاخضاع الشعوب والدول لهيمنة الطغم المالية العالمية، وتأبيد سيطرتها عليها.
لكن في زمن الحرب الروسية الأوكرانية لاحظنا ان الرأسمالية الغربية عادت لاستخدام الأساليب القديمة بالإضافة لاساليبها الحداثوية للهيمنة على ثروات ومقدرات الشعوب، والشكل الذي اتحدث عنه، ما أشار له وزير التجارة الكويتي، فهد الشريعان، الذي صرح قبل يومين قائلا:" الوضع خطير جدا في العالم ومنطقتنا! نحن مقبلون على مجاعة.. السفن المحملة بالعيش والقمح والحبوب والبذور والمتجهة للكويت والسعودية والامارات وقطر والبحرين وعُمان، يتم تحويلها في عرض البحر لتتوجه إلى أوروبا." وتابع يقول "المؤامرة صارت من فوق الطاولة والوضع على المكشوف.. اميركا واليهود قررتا تجويعنا ولسان حالهما يقول: شعوب الغرب أهم منكم يا حيوانات."
وتصريح الوزير الكويتي دقيق ومسؤول، ويعكس الحقيقة الماثلة الان في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على اكثر من مستوى وصعيد، منها أولا التمييز العنصري البشع بين اللاجيء الاوكراني صاحب العيون الزرق والشعر الأشقر وبين اللاجئين من دول العالم الثالث في القارات الثلاث اسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية؛ ثانيا في استعادة روح القراصنة الأوائل، قاطعوا طرق السفن في عرض البحار والمحيطات والاستيلاء عليها ونهبها، ليس هذا فحسب، وانما منع القمح والحبوب والشعير المحملة بالسفن وفق اتفاقات تجارية موقع عليها بين دولة المنشأ والدول المستوردة من مجلس التعاون الخليجي من الوصول اليها، وتحويل السفن إلى الدول الأوروبية بطرق مارقة وخارجة على القانون، وعلى أرضية ان أبناء الشعوب الأوروبية اهم من أبناء الخليج العربي، الذين مدوا ويمدوا الغرب بمصادر الطاقة، ولديهم علاقات حسب المفاهيم المتداولة "استراتيجية" مع الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا؛ ثالثا الامر لا يقتصر على دول الخليج، انما يطال كل السفن المتوجهة من روسيا او أوكرانيا لدول العالم الثالث تم وسيتم مصادرتها، لحماية حياة البيض، وتجويع الشعوب السوداء والملونة، لانه يفترض قتلهم تجويعا، ومنع شريان الحياة عنهم باعتبارهم "حيوانات".كما ذكر الشريعان.
الصورة باتت جلية، فالحرب لم تعد تقتصر بين الدولتين الجارتين روسيا وأوكرانيا، وانما هي حرب عالمية ثالثة بكل تجلياتها السياسية والعسكرية والغذائية يشارك فيها الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة ضد باقي سكان المعمورة لتأبيد النظام العالمي القائم، النظام الاستعلائي العنصري الكولونيالي، والحؤول دون الاستحقاقات العالمية الجديدة المتمثلة بولادة نظام اممي متعدد الأقطاب، وما له من تبعات على مكانة الولايات المتحدة وحلفائها من حلف الناتو. وقادم الأيام سيحمل تطورات وتجليات جديدة ونوعية للحرب العالمية المشتعلة بالوكالة منذ عام 2011، وليس في 24 فبراير 2022.
[email protected]
[email protected]