عفوا أيها القانون وحدك لست كافيا

بي دي ان |

29 نوفمبر 2020 الساعة 03:42ص

بتاريخ 17 ديسمبر عام 1999م قررت الأمم المتحدة جعل 25 نوفمبر من كل عام يومًا عالميًا رسميًا لمناهضة العنف ضد المرأة، نتيجة الزيادة الملحوظة في العنف الممارس ضد النساء في جميع أنحاء المعمورة، والذي أخذ أشكال متنوعة من العنف الممارس جسديًا وجنسيًا ونفسيًا، تزايد خاصة خلال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية التي شهدها العالم في نهاية الألفية الماضية، وذلك ضمن جهودها الحثيثة لمناهضة العنف ضد النساء، وتمكين المرأة، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ويعود السبب في اختيار ذلك اليوم يوًما عالميًا لمناهضة العنف ضد النساء لحادثة اغتيال الأخوات ميرابال، وهن ناشطات سياسيات في جمهورية الدومنيكان في أمريكيا الشمالية، بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان رافائيل تروخيلو عام 1960م، وتبدأ الحملة العالمية التي تمتد ل16 يومًا متواصلًا والتي تشرف عليها الأمم المتحدة كل عام تبدأ يوم 25 نوفمبر وتنتهي يوم 10 ديسمبر، وهو اليوم العالمي لإعلان حقوق الانسان تأكيدًا على أهمية تمتع النساء بجميع حقوق الإنسان المكفولة لكافة البشر دون تمييز بين رجل وامرأة، وأهم حق بالطبع هو الحق في الحياة والأمان وعدم التعرض للعنف أو الأذى بجميع أشكاله. 

  وتأتي هذه الحملة هذا العام والعالم يشهد تفشي فايروس كورونا والذي بسببه فُرض الاغلاق الشامل والحجر المنزلي في معظم دول العالم، مما ساهم في زيادة معدلات العنف ضد النساء لاسيما العنف الأسري سواء كان عنفًا جسديًا أو نفسيًا أو اقتصاديًا، إضافة إلي زيادة معدلات قتل النساء على خلفيات مختلفة، وكما أثرت جائحة كورونا على كافة نساء العالم فإنها كذلك رمت بظلالها الثقيلة على المرأة الفلسطينية التي تواجه عنفًا مركبًا من المجتمع المحلي، ومن الاحتلال الإسرائيلي، ويبدو ذلك جليًا من تقارير وزارة التنمية الاجتماعية الربع سنوية والنصف سنوية، وكذلك العديد من المؤسسات النسوية العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما دفع مجلس الوزراء للمصادقة على إجراءات تحويل المعنفات في ظل حالة الطوارئ، إلا أنه للأسف لم يتم حتى الآن اقرار قانون حماية الأسرة من العنف، الذي تم انجازه ورفعه إلى مجلس الوزراء، ويلقى معارضة شديدة من أوساط مجتمعية مختلفة.

وقد وثقت المراكز الحقوقية 14 حالة قتل لنساء فلسطينيات خلال العام 2019 الماضي، بينهن 8 نساء في الضفة الغربية، و6 نساء في غزة، منهن 3 نساء قتلن على خلفية ما يسمى بـكذبة جرائم الشرف، وهي ظاهرة خطيرة منتشرة في المجتمع الفلسطيني وتهدد النسيج المجتمعي، ومن تفاصيل عمليات قتل النساء ظهر أن هناك تنوع في الحالة الاجتماعية للنساء المقتولات ما بين الانسة والمتزوجة وأحيانًا المطلقة على يد طليقها، وتنوع في أشكال القتل، وممارسة واضحة لأعمال التعذيب والتنكيل الجسدي والنفسي التي تنتهي عادة بالقتل كما ظهر في حالة مقتل الفتاة اسراء أبو غريب وغيرها ممن قتلن حتى على مرأى من أبناؤهن، كما شهد عام 2020م العديد من حالات قتل النساء في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الداخل الفلسطيني كذلك.

وتتضافر الكثير من الجهود الحقوقية والنسوية من أجل اقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ورغم أن المجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة إلى مثل ذلك القانون، واقراره في أقرب وقت ممكن، إلا أن ذلك يطرح علينا سؤالا مهمًا أيضًا، ألا وهو هل فعلًا هذا القانون سيردع المنظومة الذكورية المهيمنة على الثقافة الفلسطينية المجتمعية السائدة من استمرار قتل النساء بسهولة وتوفير الغطاء والإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم قتل النساء عبر النظام العشائري السائد في فلسطين والذي تشتد سطوته مع تراجع دور السلطات الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يلجأ لدفع الدية واغلاق هذه القضايا بالتصالح العشائري، ووفقًا لعذر ولي الدم إذا كان القاتل والدها نفسه، وقد شهدنا عدة حالات قتل خلال عام 2020م من تلك النوعية.

 التحديات التي تواجه قانون حماية الأسرة من العنف صعبة إلا أن أبرزها باعتقادي يتمثل في الثقافة المجتمعية السائدة التي يسطر عليها التفكير الذكوري حتى لدى بعض النساء أنفسهن، ما يحتاج للتغيير الحقيقي هو تلك الثقافة المترسخة والمتجذرة التي تعتبر النساء ممتلكات خاصة للرجال لا يحق لهن سوى اتخاذ بعض القرارات الهامشية في أحسن الأحوال ولكنها دائما تحتاج لوصاية الذكر الذي يحق له التصرف بها وبجسدها ومالها ومستقبلها بشكل كامل ومطلق ولا يخضع لأي مساءلة أو محاسبة أو عقاب حتى في حال ارتكابه جريمة بحقها.

وأتساءل ماذا عن الضحية التي لا تسطيع أن تشكو أحد أفراد أسرتها ممن قد يستبيح حرمة جسدها ويقتلها إذا انفضح أمره بحجة شرف العائلة فيصمت المجتمع كله ازاء تلك الجريمة ويقف متفرجًا؟ أو التي تخشى نظرة المجتمع المتدنية لها إذا اشتكت أو اعترضت أو طالبت بحقها في العدالة والاقتصاص لكرامتها أو للحصول على حقوقها؟ من ينقذها من تلك النظرة؟

وماذا أيضًا عن الضحية التي تتعرض للعنف الزوجي بوحشية أمام أطفالها وإذا اشتكت لأهلها أو ذهبت "حردانة" حسب التعبير الدارج في مجتمعنا يقوم الأب أو الأخ بإكمال مهمة الزوج وضربها وتعنيفها بوحشية أكبر، واعادتها لبيت الزوج لأنه لا يحتمل أن تعود له مطلقة تجلب له العار والخزي أمام المجتمع الذي ينظر نظرة متدنية للمطلقات، هو يفضلها قتيلة ولكن ليس مطلقة؟ أو لأنه لا يستطيع في كثير من الحالات التكفل بمتطلباتها المادية وخاصة إذا كان بصحبتها عدد من الأطفال.

أعلم أن تغيير ثقافتنا المجتمعية السائدة ليس بالأمر اليسير، بل تكاد تبدو في بلادنا وكأنها مهمة مستحيلة، فتغيير ثقافة متجذرة منذ مئات السنين وتزداد تجذرًا وتوحشًا وتكالبًا من النظام الأبوي الذكوري المهيمن في ظل تهاون حكومي ومجتمعي في شطري الوطن على حد سواء.
ولكننا نحن الضحايا، نحن النساء مطالبات ببذل كل الجهود مهما تبدو صعبة ومستحيلة للحفاظ على حياتنا، وللحصول على حقوقنا الانسانية وهي حقوق بسيطة وممكنة ومتاحة يتمتع بها أي انسان في أي مكان، هذا نضال يجب أن يستمر وعلى المدار الساعة وليس مرتبط بحملة عندما تنتهي مثل العام الماضي نتلقى في اليوم التالي مباشرة خبر قتل المواطنة روان هواشي 30 عامًا من الخليل على يد طليقها، و كانت أم لأربعة أطفال أكبرهم كان في الفصل السادس الابتدائي وقت مقتلها. لا يجب أن نقبل أبدًا بأن يكون ثمن روح امرأة أو حتى أي انسان يتساوى بفنجان قهوة