الرياضة والسياسة لا تنفصلان

بي دي ان |

09 مارس 2022 الساعة 01:10ص

قطاع واسع من الرأي العام العالمي كان يعتقد بعدم وجود رابط بين السياسة والرياضة، واعتبروا ان الرياضة شأن آخر لا صلة لها بالتناقضات السياسية بين الدول والشعوب، وروج لوجهة النظر هذه الاعلام الغربي الرأسمالي والإسرائيلي وذلك بهدف تحقيق اهداف سياسية محضة، وعلى سبيل المثال قامت الفيفا والبارالمبية الشتوية وغيرها من المنابر الرياضية العالمية بالترويج لاعتبار الرياضة شأنا آخر، لا ترتبط بالسياسة وحساباتها، ولهذا قاموا عن سابق تصميم وإصرار أولا بالموافقة على إقامة مباريات عالمية في دول عربية او إسلامية رافضة للتطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية وادرجوا في برامجها بشكل متعمد، وعن سابق تصميم وإصرار مشاركة لاعبين من إسرائيل مع لاعبين عرب او مسلمين رافضين للتطبيع المجاني لآحداث اختراق وتطبيع بطرق التفافية مع هذه الدول، ليس من خلال مشاركة اللاعبين فقط، وانما برفع علم الدولة الاستعمارية في أراضي الدول، وعزف النشيد "القومي"، وهو ما يعني اقرارا بالتعامل معها، والسماح لللاعبين والفرق والأندية والمدربين وجمهورهم بالسفر والدخول لليلاد، وهكذا تدريجيا يتم إدخالها في دوامة التطبيع المجاني، كما حصل في ماليزيا واندونيسيا والكويت والسعودية والجزائر وغيرها من الدول التي رفضت من حيث المبدأ مشاركة وفود إسرائيلية على أراضيها، او ملاقاتهم لاعبين او فرق من بلدان اخرى مع إسرائيليين.

وكان خلال العام الماضي العديد من ابطال أبناء الشعوب العربية والإسلامية رفضوا اللقاء والمباراة مع أي إسرائيلي. رغم ان البعض خسر دوره البطولي العالمي لقاء ذلك، وتم بقرار من الاتحادات العالمية حرمان أولئك الابطال من الفرق واللاعبين من اللعب لعدد من السنوات. ومع ذلك ضحوا وتنازالوا عن مكاسبهم الشخصية دفاعا عن قناعاتهم الوطنية والقومية، وتضامنا مع شعبهم الفلسطيني الشقيق في كفاحه التحرري.

بعكس العديد من الدول العربية والإسلامية التي شرعت أبوابها للقيادات السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية الإسرائيلية، ورفعوا علم اسرائيل وعزفوا نشيدها "القومي" العنصري، الذي يستهدف كل انسان عربي. ولكن هذا ليس عنوان ورسالة المقالة، لذا ليس أوان مناقشته.

ما اردت ان اتوقف امامه هو العنصرية البغيضة التي تورطت فيها الهيئات الأممية الرياضية في الحرب الروسية الأوكرانية، وهي اللجنة البارالمبية، والفيفا وغيرها بما في ذلك الاتحاد الدولي للقطط، الذي فرض شروطا قاسية في التعامل مع القطط التي تربت في روسيا، وتلك التي تتبع لاشخاص روس، ووضعت فيتو على استيراد القطط من الاتحاد الروسي بدءا من يوم الثلاثاء الماضي الموافق مطلع آذار / مارس الحالي.

ومع اشتعال نيران الحرب مباشرة وضعت اللجنة البارالمبية الشتوية شروطا على الفرق والرياضيين الروس والبيلاروس، أولا ان لا يلعبوا تحت اسم بلادهم، ثانيا ان لا يتم رفع علم بلادهم، ثالثا بعد 24 ساعة وتحديدا يوم الخميس الماضي الموافق 3/3 الحالي الغت القرار أنف الذكر، واتخذت قرارا بمنع مشاركة الفرق واللاعبين الروس والبيلاروس في المباريات الأممية، كما نقلت الفيفا المباريات الرياضية الكروية المقررة في روسيا إلى بلدان أخرى.

وبررت اللجنة البارالمبية موقفها بعد تعرضها لانتقادات من قبل بعض الاتحادات، بانها اتخذت قرار المنع "حفاظا على نزاهة الألعاب وسلامة جميع المشاركين." وأضافت ان بعض الفرق وبعض الرياضيين هددوا "بعدم المشاركة ما يؤثر على نجاح الألعاب الالمبية البارالمبية الشتوية في بكين 2022." وتابع بيان اللجنة العنصري والمتناقض مع الحقائق بأن "الوضع في القرية الالمبية للرياضيين يتدهور وتأمين حماية هؤلاء اصبح مستحيلا" من من؟ من البعبع الروسي والبيلاروسي؟

وعلى ضوء ذلك انقسمت الاتحادات العالمية في قضية التعامل مع الرياضيين والفرق والمنتخبات الروسية، ففي حين قرر الاتحادان الدولي والاوروبي لكرة القدم إقصاء منتخبها من كأس العالم 2022، وعدم السماح لمنتخباتها وانديتها بالمشاركة في أي بطولة، وحذا حذوهما الاتحاد الدولي لالعاب القوى، قررت رابطتا المحترفين والمحترفات في كرة المضرب السماح لهم بالمشاركة. ولكن تحت علم محايد. كما تم تجريد روسيا من البطولات الرياضية على أراضيها، ابرزها في كرة المضرب وبطولة العالم للكرة الطائرة وجائزة روسيا الكبرى في الفورمولا واحد.

هذا هو الغرب الرأسمالي بقضه وقضيضه يميط اللثام عن وجهه العنصري القبيح، كما فعلوا في التمييز بين بني البشر الفارين من الحرب بين الاوكران والروس، بين أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر والملونين والسود، لجأؤوا لذات الفرز والفصل العنصري في حقل الرياضة، وهدفوا لقسمة وتفتيت الاتحادات والأندية الرياضية. وفي ذات الوقت كانوا هم ذاتهم ولليوم وللغد أيضا يرسلوا ويفرضوا على اللاعبين من أبناء الشعوب العربية والإسلامية مواجهة الإسرائيليين الاستعماريين لفرض التطبيع عليهم. كنت وكان معي الرأي العام العالمي سيتفهم ان تتخذ بعض الفرق او الأشخاص الرياضيين من أوكرانيا او المتضامنين معهم موقفا من المشاركة مع اندية روسية او بيلاروسية، هذا مفهوم ومشروع. لكن هذا غير مشروع ولا مفهوم ولا مبرر من قبل الهيئات الدولية الرياضية، ولا يجوز لها ارتكاب مثل هذه الخطيئة وجريمة الفصل العنصري، والعمل على فصل الرياضة عن السياسة. لكن هيهات تحقيق ذلك، فالرياضة جزء لا يتجزأ من السياسة شاء من شاء وابى من ابى.

وهم يعلمون ان هكذا قرار استهدف في الأساس أولا تخريب الدورة الشتوية في بكين، ولهذا الامر ارتباط مباشر مع قرار الإدارة الأميركية، التي اعلنت عدم مشاركتها ومعها بعض الدول الأوروبية في الدورة الشتوية؛ ثانيا التشويش ويمكن ان تصل إلى التعطيل للالمبياد الكروي في قطر 2022 من خلال اتخاذها هكذا قرار؛ ثالثا سيترتب على هذه القرارات انقسام عامودي وافقي في الاتحادات الدولية الرياضية. وهو ما يحمل في طياته ابعادا اعمق على باقي مجالات الحياة بين اقطاب ودول العالم.

امل ان تتدراك الهيئات الأولمبية والبارالمبية والاتحاد الدولي للقطط وغيرها من المؤسسات الأممية من اخطار وتداعيات القرارات المجحفة بحق الرياضة والرياضيين في كافة المجالات نتاج السياسات التعسفية في حق الرياضة.