الدرس الروسي القديم الجديد

بي دي ان |

26 فبراير 2022 الساعة 12:14ص

تعامل الروس تاريخيا مع المسألة اليهودية بدءا من تهود الخزر او القبيلة الثالثة عشر ( حسب تعريف ارثر كيستلر لهم، لانهم ليسوا من اتباع الاسباط الاثني عشر) مع إقامة امبراطوريتهم ما بين القرنين الثامن والحادي عشر، وفي زمن الدولة القيصرية، وفي الصراع بين تيارات حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وكانوا آنذاك تيارا شبه مستقل في الحزب تحت مسمى "البوند"، والذين كانوا جزءا من الحركة الصهيونية في ذات الوقت، ومن ثم في زمن الدولة السوفياتية التي أنشأت لهم حكم ذاتي لليهود في روسيا السوفيتية، وبعد إقامة إسرائيل الاستعمارية واعتراف الاتحاد السوفييتي بها مباشرة، ولاحقا مع تفكك الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن العشرين، والسماح بهجرة مئات الاف من اليهود لها (لإسرائيل)، وما تلا ذلك من تطورات واحداث.
وفي كل المحطات شكل اليهود الخزر الصهاينة ارباكا للأنظمة السياسية الروسية، مع ان تلك النخب وخاصة في زمن الدولة السوفياتية دارتهم، وتعاملت معهم بشكل إيجابي، رغم انهم لم يكونوا عموما أوفياء في يوم من الأيام لتلك الدولة، وقابلوا الإيجابية الروسية بالنكران، والتآمر عليها مع الغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة خصوصا. ومع ذلك تعاملت روسيا الاتحادية في ظل كل القيادات بما في ذلك زمن الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين بانفتاح، ودون توقف امام الخطايا التاريخية، التي وقعت فيها الحركة الصهيونية.
وهي خطايا منطقية من وجهة نظر الحركة الصهيونية، لان صاحب وحامل المشروع الكولونيالي الصهيوني، هو الغرب الرأسمالي بمختلف تلاوينه ومسميات دوله، وبالعودة لمحطات التاريخ نجد ان مؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907 الأوروبي هو من اوجد الأرضية الصلبة لتأسيس ونشوء الدولة الإسرائيلية، واتفاقية سايكس بيكو 1916 عمقت الفكرة، ووعد بلفور اعطي المشروع زخما قويا، ثم قرار الانتداب وقبله مؤتمر سان باولو 1919 وما تلا ذلك من تأصيل للمشروع الصهيوني عبر فتح أبواب الهجرة لفلسطين، والالتفاف على مصالح الفلسطينيين العرب وثوراتهم اما بالقتل والتنكيل والطرد، او بالاستعانة باهل النظام العربي الرسمي والكتب البيضاء البريطالنية الكاذبة لوأد الثورات الفلسطينية وخاصة الثورة الكبرى 1936 / 1939 ومقاومته البطولية في مواجهة تغول الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية، ولاحقا بتمرير قرار التقسيم الدولي 181، الذي شرع إقامة الدولة الاستعمارية على حساب حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، وللأسف الشديد كان المندوب السوفياتي، اندرية غروميكو، اول من اعترف بالدولة الاسرائيلية اعتقادا من الاتحاد السوفييتي آنذاك بان الدولة الجديدة بحكم اعتمادها نظام "الكيوبتس"، او ما سمي في الفكر الماركسي اللينيني "الكومونة" ستكون قاعدة له في الشرق الأوسط. ولادارك قيادات الحركة الصهيونية انها مجرد أداة استعمالية لخدمة المشروع الاستعماري الغربي، وتصفية الحساب التاريخي مع العرب والمسلمين ردا على الحروب الصليبية وهزيمتها في فلسطين، الذي مازال حتى الان وغدا وبعد غدٍ يؤرق زعماء الغرب عموما والانكلو سكسون خصوصا، لذا لا يمكن ان تكون جزءا من المنظومة الروسية حتى لو اضاء القادة الروس المتعاقبين اصابعهم.
ومجددا تعلن حكومة لبيد بينت وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو في دعم نظام فولاديمير زيلنسكي الاوكراني بشكل واضح، ودون مواربة، وهو ما عبر عنه يئير لبيد، وزير الخارجية، وايهود أولمرت وغيرهم من قادة دولة الإرهاب الإسرائيلية المنظم. متجاهلون تماما وجود ما يزيد على المليون روسي بين يهودي صهيوني، ومسيحي ارثوذكسي وحتى مسلم من دول اسيا الوسطى او الشيشان وبشكيريا ... الخ، وغير عابئين نهائيا بما قدمه لهم القيصر الجديد من خدمات ومساعدات داخل سوريا وغيرها لقاء استقطابهم، او تحييدهم على الأقل في الصراع مع دول حلف الناتو.
غير ان رهان القيادة الروسية باء بالفشل مجددا. وبالتالي آن لروسيا الاتحادية في النسخة البوتينية ان تراجع تجربتها مع الحركة الصهيونية عموما والدولة الإسرائيلية خصوصا، وان تستلهم الدرس من ادارة تلك الدولة الظهر للمصالح الروسية في الإقليم والعالم. وان تعيد حساباتها جيدا وقبل فوات الأوان، وان لا تكتفي بالتأكيد على ان الجولان ارض سورية محتلة، وهي جزء لا يتجزأ من ارض الدولة السورية، ولا بإدانة الاستيطان الاستعماري في أراضي دولة فلسطين المحتلة في الرابع من حزيران عام 1967، وانما باتخاذ خطوات جدية في ترجمة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية على الارض ذات الصلة بإزالة الاستعمار عن أراضيها (فلسطين)، وضمان الحماية الدولية لابناء الشعب الفلسطيني بالتعاون مع الصين ودول الرباعية الدولية، وانهاء دورة العنف والفوضى والنكبة، والتخلص من الفاشية والعنصرية الإسرائيلية.
[email protected]
[email protected]