غاب جمال رغم حضوره

بي دي ان |

13 فبراير 2022 الساعة 11:51م

لم اشأ الكتابة عن رحيل الصديق العزيز الراحل الدكتور جمال محيسن مباشرة، واكتفيت بنشر بوست سريع مؤبنا إياه لاكثر من اعتبار، لان الكثير من المغردين المعزين سيملؤا صفحات المواقع الاجتماعي والمنابر الإعلامية؛ ولاعطاء الفرصة للذات لاحياء ذكرى رحيله في اسبوعه الأول؛ لديمومة استحضار ذكرى الرجل، والتأكيد على حضوره بين أصدقائه ومعارفه ومحبيه.
مضى أسبوع على رحيل المناضل الوطني الكبير الدكتور جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بعد مخاض عسير مع المرض، استنزف قواه وانهكه، رغم ان أبو المعتصم ثابر وقاوم مقاومة الرجال الاشداء بكل ما يملك من قوة التحمل والصبر والشجاعة، وكابر كثيرا في تحديه المرض، وكان عنيدا، لم يستسلم له، واصر حتى اللحظة الأخيرة على متابعة العمل، فكان يأتي لمكتبه غير عابىء بتداعيات المرض على جسده النحيل، ولم يشكو رغم بصق الدم، الذي اكتشفته عائلته بالصدفة، مما اضطرهم لتحويله للمستشفى، التي لم يكن يحب الذهاب اليها، او البقاء فيها. وبعد شد وجذب بينه وبين المرض، تمكن منه، وجاءه ملك الموت حين حانت لحظة الوداع للحياة الدنيا ليخطف أنفاسه الأخيرة، ويفرض على قلبه التوقف عن الخفقان، وفي ذات الوقت ليمنحه شهادة الولادة من جديد في عالم الخلود يوم الاثنين الماضي الموافق 7 شباط / فبراير الحالي، بعدما اسلم الروح لبارئها اثناء انعقاد دورة المجلس المركزي ال31 في رام الله، التي حرص أعضاؤه على تسمية دورتهم باسمه تخليدا لذكراه العطرة.
ولمن لا يعرف الدكتور جمال فهو من المناضلين الوطنيين، الذين انتموا باكرا للثورة الفلسطينية، ومزج بين النهل من بحر العلم ومدرسة الكفاح، وتدرج في مواكبه من جبال الخليل إلى عمان العاصمة الأردنية إلى جامعة بيروت العربية 1972 إلى جامعة الفاتح في طرابلس، العاصمة الليبية 1978 إلى جامعة كارلوفا في براغ تشيكوسلوفاكيا عام 1988 قبل انقسامها لدولتين تشيكيا وسلوفاكيا بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، والتي توجها بالحصول على الدكتوراة في الفلسفة. وواكب مسيرتها (الثورة) على مدار الخمسة وخمسين عاما، قضاها متنقلا بين ساحات الكفاح التحرري، وميادين وحقول العطاء السياسي والتنظيمي والنقابي والتربوي والرياضي الشبابي، وكان عنوانا للوطنية أينما حل، ومثالا للحيوية والنشاط وصلابة المواقف، وعدم المهادنة او التردد او التعلثم في الدفاع عن الهوية والمشروع الوطني. قاتل وفق معايير وأدوات كل حقل عمل فيه منتصرا لارادة الانسان الفلسطيني ومصالحه العليا نتاج عطائه المتقدم، ومصداقيته العالية، ووفاءه للثورة وقيادتها، وللشعب بمختلف قطاعاته، ولنظافة كفه وسيرته تبوأ اعلى مراكز القرار في حركته، حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بانتخابه عضوا في اللجنة المركزية في المؤتمر السادس عام 2009.
كما انه احتل مواقع عديدة في مؤسسات السلطة بعد العودة للوطن وخاصة في وزارة الشباب والرياضة، كما تولى مهامه كمحافظ لمحافظة نابلس 2007 /2009، وتولى مسؤولية المفوض التنظيمي لمحافظات الشمال (الضفة الفلسطينية)، ولم يبخل بجهده.ومثابرته، رغم كل الصعوبات والتحديات، التي واجهته في حقول العمل المختلفة، بيد انه وقف شامخا مبددا من وجهة نظره ومعاييره الأخلاقية والوطنية كل التعقيدات والصعوبات.
الراحل الوطني الكبير جمال محيسن معروفا عنه، انه لا يحب المداهنة والمجاملات، كان كحد السيف يقول رأيه، لا يخشى احد الا الله. لكنه كان يحترم الاخر ورأيه، ويغلب الوطني على الشخصي، ويتعامل بروح المسؤولية العالية في القضايا المختلفة، واذا اقتنع برؤية ما دافع عنها بجدارة وقوة، دون ان يسقط رؤية الاخر.
رحل المناضل الوطني ابن حركة فتح عن المشهد، لكنه باق وحي بين ذويه واخوانه وشركاء النضال والمصير بعطائه وتجربته الكفاحية المتميزة واخلاصه ونبل اخلاقه ووفائه للشعب والقضية والاهداف الوطنية. غاب جمال ابن قرية عراق المنشية المحتلة في العام 1948 جسدا، لكنه مازال حاضرا في السجل الذهبي للشعب، وتقديرا لمسيرته الطويلة اصدر الرئيس أبو مازن مرسوما بمنحه وسام النجمة الكبرى من وسام القدس بتاريخ الأول من شباط / فبراير الحالي وعشية رحيله. تقديرا لدوره الوطني وتثمينا لعطائه وعمله القيادي في صفوف الثورة، وفي مجالات العمل النقابي وكافة المهام، التي تولاها. رحم الله جمال والعزاء الحار لاسرته وذويه ولاخوانه في حركة فتح والحركة الوطنية الفلسطينية.