إسرائيل دولة ابرتهايد

بي دي ان |

03 فبراير 2022 الساعة 12:55ص

الشعب العربي الفلسطيني تعرض على مدار 74 عاما لعملية التطهير العرقي من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتمثلت في البداية بنكبة العام 1948، التي أدت لتشريد وطرد حوالي المليون فلسطيني من ديارهم وقراهم ومدنهم، ووطنهم الام إلى المنافي، وارتكبت بحقهم عشرات ومئات المجازر الوحشية لبلوغ الهدف الاستعماري، وحتى قبل إقامة دولة المشروع الكولونيالي الصهيوني من خلال العصابات الإرهابية ( الهاجاناة، والارغون، وليحي، وإتسل، وشتيرن ... إلخ) التي أصلت لجريمة العصر. وعاش ويلات ومآسي وجرائم العملية المزدوجة بالاتجاهين تعميق الاستعمار الصهيوني على الأرض الفلسطينية، المترافقة مع تصاعد وتواتر سياسة الفصل العنصري دون توقف حتى يوم الدنيا هذا.
ومع ذلك العالم اغمض عينيه عن تلك الجرائم والمجازر الوحشية من قبل الدولة المارقة والخارجة على القانون ضد الشعب الفلسطيني. ولم تحاول الأمم المتحدة، والاقطاب الدولية ذات الصلة بالصراع وخاصة الولايات المتحدة التوقف ولو للحظة امام مسلسل الدم والبارود والجريمة المنظمة الإسرائيلية إلا بعد اشعال شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي اعادت للقضية الوطنية الاعتبار، ووضعتها على الطاولة الأممية كملف رئيسي، وتم انتزاع عدد كبير من القرارات الأممية تجاوز حتى الان ال800 قرار، وغالبيتها الساحقة رغم اقرارها بالحقوق السياسية الفلسطينية، الا انها لم ترتقِ لمستوى التوصيف الحقيقي لطبيعة وجوهر دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية، قرار وحيد صدر في العام 1975 تحت الرقم 3379 وصف الحركة الصهيونية، كحركة رجعية وعنصرية، لكن دول الغرب الرأسمالي وفي مقدمتها اميركا بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو التفت على الشرعية الدولية، والغت القرار.
غير ان الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية واصلوا الكفاح بالتعاون مع المؤسسات الاهلية والرسمية الحقوقية بالتعاون مع المنظمات العربية والدولية وعلى رأسها "منظمة هيومن رايتس ووتش" المناصرة للسلام ومن ضمنها منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ورفعها للأمم المتحدة ومنظماتها ذات الصلة، ولمنظمة العفو الدولية "امنستي" وتابعت دون كلل لدفع العالم للتخلي عن حالة التعثر والمغمغة والضبابية في تشخيص طبيعة الاستعمار الإسرائيلي وفق المعايير العلمية، ووفق نصوص القانون الدولي، ووسمه بمركباته الحقيقية كاستعمار قام على ركيزة أساسية عنوانها التطهير العرقي، وإعادة انتاج المحرقة النازية الألمانية بشاكلة جديدة ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
وبفضل الجهود المثابرة في هذا المجال، حدثت في حزيران/ يونيو العام 2020 نقلة صغير تمثلت بتقرير المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية "ييش عتيد" (هناك عدالة) الذي حمل عنوان " الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري: وجهة نظر قانونية". تلا ذلك تقرير منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة) في 12 كانون ثاني/ يناير 2021 الذي اكد على ان دولة إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. وعمقت هذا التوجه منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية في تقريرها الصادر في 27 نيسان/ ابريل 2021 الذي حمل عنوان "تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد" واعقب ذلك نداء صدر على صدر صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في 27 تموز / يوليو 2021 وقع عليه الف فنان ومثقف واكاديمي من 45 بلد بعنوان "لنجعل سنة 2021 سنة نهاية الفصل العنصري في إسرائيل." وتوجت هذه الانزياحات بتقرير منظمة العفو الدولية "امنستي"، التي أصدرت تقريرها امس الثلاثاء الموافق الأول من شباط / فبراير الحالي من خلال مؤتمر صحفي مشترك بين لندن، مقرها المركزي والقدس العاصمة الفلسطينية المحتلة بعنوان :" نظام لبفصل العنصري (ابارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام قاسِ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية." وجاء في 182 صفحة مفندا بالوثايق والوقائع والشهادات الحية القرائن الدالة على الطبيعة العنصرية لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية.
وكانت حكومة إسرائيل عموما ووزارة خارجيتها مارست سلسلة من الضغوط على امين عام المنظمة، انياس كالامار لعدم نشر تقريرها، او بالحد الأدنى عدم استخدام مفهوم الفصل العنصري. لكنها فشلت، مما دفع وزير الخارجية لبيد وأركان وزارته بشن هجوم شرس على المنظمة الأممية منذ اول امس الاثنين الموافق 31 كانون ثاني / يناير الماضي وقبل صدور التقرير، ولجأت لسياسة لي عنق الحقيقة، والاكاذيب المفبركة، بالاضافة لعملية ترهيب وشيطنة للمنظمة، واتهمتها بانها "معادية للسامية"، ووصفت التقرير بانه يتضمن " ادعاءات كاذبة" و"يكدس ويعيد تدوير أكاذيب مصدرها منظمات كراهية معروفة مناهضة لإسرائيل."
وهذا الرد يعكس افلاس دولة الابارتهايد الإسرائيلية، ويكشف عوراتها بشكل جلي امام الرأي العام العالمي، ويضعها مباشرة تحت المجهر الاممي، ويحرج كل الدول والاقطاب التي تغطي الشمس بغربال، وتدعوها رغما عنها لاعادة نظر بسياساتها المجحفة تجاه الحقوق السياسية والقانونية للشعب العربي الفلسطيني، والاعتراف فورا بالدولة الفلسطينية، والعمل على فرض العقوبات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والتسليحية على دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية، وتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني فورا.
أخيرا وبعد ما يزيد على العقود السبعة بدأ العالم تدريجيا يتماثل مع الحقيقة، واخذ يعيد النظر بسياساته العرجاء والقاصرة والتي تعكسها كل التقارير السابقة وابرزها واهمها تقرير منظمة "امنستي"، التي تستحق التقدير، وتثمين تقريرها لانه انتصر للحق الفلسطيني، وشخص الواقع كما هو، والذي كان يفترض ان يكون منذ يوم النكبة الأول في العام 1948. لا بأس انتظر الشعب الفلسطيني طويلا، وصبر واكتوى الاف المرات من كم جرائم الفصل العنصري، لكنه حقق خطوة هامة وجديرة بالاهتمام والمراكمة عليها لبلوغ النصر السياسي الناجز بالتحرر الكامل من نير الاستعمار الإسرائيلي.
[email protected]
[email protected]