يحيى عياش توهج الحب والثورة

بي دي ان |

05 يناير 2022 الساعة 10:09م

في مثل هذا اليوم استشهد المهندس يحيى عياش، بعد رحلة جهادية حافلة، أثرت تأثيراً مباشراً في تاريخ الصراع مع المحتل الإسرائيلي، ونقلت المقاومة الفلسطينية لمراحل متطورة إيجابياً في طريق التحرر الوطني، فالمقاومة قبل المهندس تختلف عن ما قبله بنوعيتها قوتها عددها تأثيرها أثرها حضورها.

عياش شاب فلسطيني من قرية رافات قضاء نابلس جبل النار، تخرج من قسم الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت، يتمتع بالصدق التواضع دماثة الخلق، باراً بوالديه مهموماً بوطنه، منتمي لأسرته متعلق بولده الوحيد براء، وَرعاً، صفي الروح، بسيط النفس، مرتبطاً بالقرآن تلاوةً وحفظاً، هادئ الطبع، يهتم بأداء الواجب وصلة الأرحام، يمزح بدون تكلف أو مبالغة، يساعد من يلجأ إليه، يغلب عليه التسامح في البيت والقرية والجامعة، زاهدًا في الدنيا، يرضى بالقليل، عفيفاً زاهداً، بعيداً عن الرياء، ويَعمل في الخفاء، وينشر الحب حوله.

انضم عياش للمقاومة الفلسطينية المُسلحة عام 1992م،وشكل خلية سرية خاصة تشرف على تنظيم العمل المسلح في شمال الضفة، ومنذ اليوم الأول لانضمامه لكتائب القسام عمل المهندس على نقل العمل المقاوم من مواجهة تقليدية بالبنادق الآلية، إلى تفعيل العبوات الناسفة والقنابل المتفجرة، والسيارات المفخخة، أما رؤيته الاستراتيجية فكانت في نقل العمليات العسكرية من الأراضي المحتلة عام 1967، إلى مدن الصهاينة في فلسطين المحتلة عام 1948م بحيث كانت فكرة تنفيذ العمليات في العمق الإسرائيلي غايته الكبرى.

منذ عام 92 والشهيد يطور ويصنع المتفجرات والعبوات الناسفة، وكانت له العديد من المحاولات المتكررة، إلا أن أول عملية استشهادية نجحت بإشراف المهندس قام بها الاستشهادي ساهر تمام حين فجّر سيارته في مستوطنة (محولا) في بيسان في 16/4/1993 وأسفرت عن مقتل اثنين من الصهاينة، ومنذ هذه العملية أدرك العدو الإسرائيلي أنه أمام عقلية مختلفة ومنهج جديد لدى المقاومة الفلسطينية، وبدأ يُطرح اسم يحيى عياش على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية بكثرة، وما يشكله من خطر داهم على أمنهم.

التحول الكبير في المسيرة النضالية للشهيد عياش جاء إثر مذبحة الحرم الإبراهيمي، في مدينة الخليل الفلسطينية في 25 فبراير 1994 والتي قام بها باروخ جولدشتاين، وهو طبيب يهودي متطرف، تواطأ معه عدد من المستوطنين والجيش، حيث أطلق النار على المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي أثناء أدائهم الصلاة فجر يوم جمعة في شهر رمضان، وقد قتل 29 مصلياً وجَرح 150 آخرين.

بعد هذه المجزرة الرهيبة خفتت كل الأصوات وعلا صوت واحد، أقسم أن يثأر لكل دماء الشهداء وأنّات الجرحى، ففي بيان لكتائب القسام نعت فيه شهداء الحرم الإبراهيمي ووعدت بالانتقام والقصاص من المحتل المجرم واضعةً بذلك خطة خماسية للرد في الوقت والمكان المناسبين. وبعد شهرين حانت ساعة الصفر للانتقام والرد الذي خطط له المهندس "يحيى عياش" الذي لم يكن غائباً عن أرض المعركة، فجاء الرد الأول في يوم 6/4/1994 م في عملية نوعية هزت عمق الكيان الإسرائيلي وبالتحديد في مستوطنة العفولة؛ حيث فجر الاستشهادي رائد زكارنة نفسه في حافلة صهيونية مما أدى إلى مقتل 9 صهاينة وجرح 50 آخرين.

وبعد تلك العملية النوعية، لم يكتف الشهيد المهندس يحيى عياش بها وبالاً على الإسرائيليين، وقام رحمه الله بإرسال الاستشهادي عمار العمارنة بعد أسبوع من العملية الأولى وقبل أن يستوعب الصهاينة الدرس ويُدركوا حجم الصدمة، ليفجر نفسه في حافلة بمدينة الخضيرة وليقتل 8 صهاينة ويصيب العشرات، لتُعلن حالة الطوارئ القصوى ويوضع اسم المهندس وصوره على كل حاجز ومركز للجيش الإسرائيلي.

في هذه الأثناء قامت الدنيا ولم تقعد، وأقسم رابين أمام الإعلام الإسرائيلي على الانتقام ممن يقفون وراء هذه العمليات التي أذهلت وأربكت الحسابات، وغيرت نمطية التفكير الإسرائيلي، وأبرزت المقاومة الفلسطينية كندٍّ قوي أمام الطغيان الإسرائيلي، وجاء رد المهندس على تهديدات رابين أشد قوة وأكثر مفاجأة؛ فقد دَوى انفجار كبير في أهم شارع في تل أبيب، شارع ديزنجوف حيث انفجرت حافلة إسرائيلية ما أسفر عن مقتل 22 صهيوني وإصابة عشرات آخرين.

أدرك رابين أنه أمام مقاتل مختلف ذي قدرةٍ فائقة على التمويه، وذكاء حاد في تحديد الأهداف وإتقان متميز في إعداد السلاح، لهذا جُيَّش الكيان الصهيوني للبحث عن المهندس، وأصبح الإعلام الإسرائيلي لا يتحدث إلا عن هذا البطل، وأفُردت له البرامج واستدعي الأطباء والمحللون لتحديد نمطية وطريقة تفكيره.

وفي ظل الهجمة الشرسة قام الشهيد يحيى عياش بخطوتين كبريين ومهمتين؛ الأولى هي الانتقال من الضفة للقطاع حيث كانت بداية تشكيل السلطة الفلسطينية وقبضة الاحتلال أضعف، والثانية هي القيام بنشر خبرته العلمية والعملية لجيل جديد ولم يقتصر على حركة حماس، وإنما أيضا نشر خبراته لحركة الجهاد الإسلامي.

وفي مثل هذا اليوم  5-1-1996م رحل عنا المهندس يحيى عياش، وبقيت مدرسته تسري في أجيال وأجيال من المهندسين القساميين حتى طور تلامذته  ومحبيه أقوى صاروخ استخدم في معركة سيف القدس، صاروخ  عياش 250. حيث استخدم في قصف مطار رامون في جنوب صحراء النقب. ليبقى عياش كابوس يلاحق الصهاينة حتى زوال إسرائيل.