مقدمات لقراءة موقف عباس

بي دي ان |

01 يناير 2022 الساعة 11:59م

ملاحظات عدة اود البدء بها قبل ولوج موضوع لقاء الرئيس عباس مع بيني غانتس، وزير الحرب الاسرائيلي. الأولى لم اكن ارغب بالكتابة عن الموضوع من اصله، حتى لا ادخل في متاهة الضجيج الدائر، وحتى تبرد الرؤوس الحامية؛ الثانية لو سألني الرئيس أبو مازن عن موعد اللقاء، لاقترحت عليه تأجيله في ظل الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية للأسباب التي تعيشها الساحة، ونتاج التغول الاستعماري الإسرائيلي، وللضغط على إسرائيل والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي حتى يتخذوا موقفا وقرارا حاسما بلجم حكومة اليمين برئاسة الازعر الامي المتطرف نفتلي بينت؛ الثالثة اقتراب عقد المجلسين الثوري لحركة فتح والمركزي لمنظمة التحرير، والمواقف التي تبنتها واعنتها القيادة مرات عدة بالتلويح بتصعيد سياسي وكفاحي شعبي لمواجهة التحديات الاستعمارية. فضلا عن كم القرارات، التي اتخذها المجلس المركزي منذ الدورة ال27 في اذار / مارس 20215، ومضى عليها ست سنوات دون الترجمة الفعلية على الأرض، وبالتالي كان يفترض إعطاء فرصة لكلا الهيئتين القيادتين على المستوى التنظيمي والوطني لمناقشة التطورات وتحديد موقف منها، والاستفادة منها في تصليب وتعزيز الموقف الوطني.  
لكن من يعرف عباس ومنطقه في التعاطي مع العملية السياسية لم يتفاجأ ابدا بالخطوة، التي اثارت جدلا واسعا في الشارع الفلسطيني بالاتجاهين الإيجابي والسلبي، لعدة عوامل منها: أولا لانه لم يغادر مربع السلام، واعلن عشرات المرات باستعداده للقاء القيادة الإسرائيلية بما في ذلك الصبي الصهيوني المتطرف، بينت، الذي اعلن اكثر من مرة عن رفضه مبدأ لقاء الرئيس الفلسطيني، وعليه عندما ترتب الإدارة الأميركية لقاءا مع غانتس، لم يتردد الرئيس أبو مازن لحظة في قبول اللقاء؛ ثانيا كثيرون قالوا ان الرئيس عباس يميل لاتخاذ مواقف من خارج الصندوق، وانا اعتقد ان موقف أبو مازن كان من داخل الصندوق، لانه مقتنع حتى النخاع بخياره السياسي، ولم يغادره حتى الان للحظة، ويراهن على إمكانية احداث اختراق في مواقف القيادتين الإسرائيلية والأميركية، دون ان يعني ذلك انه لا يعرف خلفياتها، او لا يرى ولا يسمع ما يجري على مدار الساعة من جرائم حرب وانتهاكات صهيونية ضد الجماهير الفلسطينية، ولكنه يعلم ومقتنع، ان الصراع مع هذا العدو يحتاج إلى مواصلة الكفاح في الميدان وفي غرف المفاوضات. رغم ان القيادات الإسرائيلية المتعاقبة نكثت الف مرة باية اتفاقات او تعهدات وقعت عليها، الا انه لا يرى في اللحظة السياسية الراهنة طريقا غير الطريق الذي ينتهجه وصولا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ولقناعته ان التحولات النوعية راهنا قد تكلف الشعب ثمنا باهضا من خلال قراءته للواقع العربي والإقليمي والدولي؛ ثالثا تمكن أبو مازن في الدورة الأخيرة للمجلس المركزي قبل ثلاثة اعوام من انتزاع تفويضا بتشكيل لجنة العشرين لتتابع تنفيذ وترجمة القرارات، التي اتخذتها دورات المجلسين الوطني والمركزي، والتي لم تجتمع سوى مرة واحدة. ورغم محاولة مجموعة من المستقلين (كنت من بين أعضائها آنذاك قبل مغادرة صفوفها) العام الماضي (2020) تحريك المياه الراكدة لعقد المجلس المركزي، عندما بادرت في رفع مذكرة لكل من الرئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية، ورئيس المجلس الوطني، بهدف استعادة دوره الوطني، وتعميق دور ومكانة منظمة التحرير في مواجهة التحديات. بيد ان القيادة لم تعطها الأهمية المطلوبة؛ رابعا الرئيس عباس لم يذهب للقاء مع غانتس من تحت، حتى انصفه، ولم يقلل من شأن نفسه، ولا من مكانة مركزه القيادي، ولم يذهب مستجديا لحقوق تخص أولويات قطاعات واسعة من الجماهير الفلسطينية، وانما من موقعه كقائد للشعب العربي الفلسطيني، والحامل لملف المفاوضات الأساسي مع القيادات الإسرائيلية. كما ان من التقاه، هو وزير الحرب، والمسؤول الأول عن ملف الاستعمار الاستيطاني في الضفة الفلسطينية، والممسك بكل ملفات ارض الدولة الفلسطينية المحتلة، وبالتالي لم يشعر بالحرج او الانتقاص من الذهاب للقاء في بيته او غيره من الأماكن، على أهمية اختيار المكان بدقة. لاني لا افصل بين الشكل والمضمون هنا. وانا شخصيا افضل ان تكون اللقاءات في داخل الداخل لا في الأراضي المحتلة عام 1967، وللحديث بقية.
الحلقة القادمة غدا: الحلال والحرام في سياسة الاخوان
[email protected]
[email protected]