زيارتان هامتان ومبادرة

بي دي ان |

12 ديسمبر 2021 الساعة 12:29ص

شهد الأسبوع الماضي حراكا فلسطينيا ديبلوماسيا وسياسيا هاما تمثل في زيارتين للرئيس محمود عباس لكل من البلدين الشقيقين الجزائر وتونس، وكانت الزيارتان ذات مغزى ودلالات سياسية لا تخفى على أي مراقب، واعتقد ان الزيارتين كانت هامة بما عكسته من عمق الروابط بين الشعوب والقيادات السياسية على المستويات كافة.
ويمكن الجزم ان عملية الاستقبال والوداع في كلا البلدين الشقيقين للرئيس أبو مازن من قبل شقيقيه الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد عكست مدى الأهمية والتقدير الكبيرين من قبل قيادتي البلدين لفلسطين ورئيسها وقضيتها وشعبها. لم يكن الاستقبال والوداع من قبل الرئيسين العربيين واعلى الهيئات القيادية في كلا البلدين للرئيس أبو مازن عاطفيا او عفويا، وانما هو رسالة عميقة لكل ذي بصيرة من العرب والعجم ومن والاهم. ويعلم العارفون بالبرتوكولات الديبلوماسية ما لهذه الحفاوة في التقاليد الديبلوماسية العربية والعالمية من أهمية خاصة، وكأن الرئيسين تبون وسعيد ارادا ارسال رسالة للاشقاء قبل الأصدقاء والاعداء، ان رئيس دولة فلسطين، هو رئيس اعدل واهم قضية سياسية في العالم، وهي قضية العرب المركزية، واستقبال الدولة له ليس ترفا ولا مبالغة ولا مجاملة لفلسطين وشعبها، انما للقيمة والمكانة السياسية للقضية الفلسطينية عند كل من الجزائر وتونس. اضف إلى ان مبادرة الرئيس عبد المجيد تبون بتقديم 100 مليون دولار دعما لموازنة السلطة الوطنية كان لها أهمية وارتياحا شديدا في أوساط الشعب العربي الفلسطيني. لا سيما وانها تأتي في ظل الضائقة والازمة المالية نتاج عدم التزام الدول المانحة من الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك الدول العربية الشقيقة، وبسبب القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية، التي تصادر سنويا ما يزيد على المليار شيقل بذريعة صرف رواتب اسر الشهداء واسرى الحرية، وللأسف بتواطؤ مع الولايات المتحدة الأميركية، التي يسعى كونغرسها ومجلس شيوخها لتعميق قانون تايلور فورس لفرض مزيد من الحصار على القيادة والشعب الفلسطيني للتخلى عن رموز القضية الوطنية، وروافع مكانتها التحررية.
وتحتل زيارة الجزائر في اللحظة الراهنة أهمية خاصة، كونها تأتي عشية انعقاد القمة العربية القادمة في آذار/ مارس القادم 2022 من حيث تنسيق الجهود الأخوية المشتركة، وترتيب الأولويات السياسية لمخرجات القمة، فضلا عن انها تأتي ردا على عمليات التطبيع المجانية، والمعاهدات العسكرية المعيبة بين بعض الدول العربية ودولة المشروع الصهيوني وعلى حساب مصالح شعوب الامة كلها، وليس على حساب مصالح الشعب العربي الفلسطيني فقط.  
وكان لمبادرة الرئيس تبون بعد اللقاء الرسمي مع الرئيس عباس والوافد المرافق له يوم الاثنين الموافق 6 كانون اول / ديسمبر الحالي بدعوة الفصائل الفلسطينية للجزائر لتحريك المياه الراكدة في المصالحة الفلسطينية، أهمية خاصة. لا سيما وان المبادرة لم تخرج عن محددات السياسة الوطنية الفلسطينية لجهة طي صفحة الانقلاب، وتجسير الهوة بين حركتي فتح وحماس وباقي الفصائل السياسية، وعلى أساس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتنظيم السلاح الفلسطيني وفق المعايير الوطنية، وعلى أرضية مبدأ سلاح وامن واحد ووفق النظام والقانون، ودون التفريط بسلاح المقاومة، وهي عمليا تأتي ردا على رسالة حركة حماس الأخيرة، التي كررت اسطوانتها المشروخة في اكثر من نقطة وملف.
ومن يعود لتجربة الجزائر الشقيقة تاريخيا في العلاقة مع فلسطين وفصائل عملها الوطني، يدرك الدور التاريخي الذي لعبته بلد المليون ونصف المليون شهيد في ترميم الجسور بين جبهة الرفض وقيادة منظمة التحرير، واحتضانها عددا من دورات المجلس الوطني واهمها الدورة التاسعة عشر عام 1988، دورة اعلان وثيقة الاستقلال لدولة فلسطين.
ولا اعتقد ان مبادرة الجزائر تستهدف دور الراعي المصري، وانما تريد وتسعى لتعميق الجهد المشكور لمصر الشقيقة، ودفع عجلة المصالحة للامام، لا سيما وان هناك عملية استعصاء من قبل حركة حماس، وغياب الضغط المطلوب لاتمام عملية المصالحة. اذاً المبادرة تشكل خطوة نوعية في الاتجاه الصحيح، وتهدف لاستكمال ما بدأته مصر المحروسة.
كما ان زيارة تونس الشقيقة، التي بدأت مساء الثلاثاء الماضي الموافق 7 كانون اول / ديسمبر الحالي كانت استكمالا وتعميقا لزيارة الجزائر الشقيقة، وكان لافتتاح سفارة فلسطين من قبل الرئيسين أبو مازن وقيس سعيد أهمية بالغة، وهي تعكس عمق الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين. لا سيما وان تونس الخضراء احتضنت القيادة الفلسطينية بعد اجتياح لبنان في عام 1982 حتى العودة للوطن الفلسطيني في العام 1994، وإقامة وتأسيس السلطة الوطنية في ذات العام.
بالإضافة لتنسيق المواقف السياسية للبلدين والقيادتين الشقيقتين عشية القمة العربية، وتعميق الروابط المشتركة على اكثر من مستوى وصعيد. خاصة وان تونس لها أهمية متميزة على الصعد العربية والإقليمية والدولية. كما ان الزيارة الرئاسية الفلسطينية لها تمثل دعما واضحا للقيادة التونسية في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية.
وقيمة واهمية الزيارتان تتمثل ليس فيما حصدته من نتائج سياسية وديبلوماسية آنية، وانما فيما تشكله من رافعة للصوت القومي العربي الواقعي والعقلاني، والرافض الاستسلام والانبطاح امام دولة المشروع الكولونيالي الصهيونية، دولة طواغيت الفاشية والموت، وأيضا لاهميتها في تصليب وتعزيز مكانة القضية الفلسطينية، واستعادتها لدورها ومكانتها المركزية في المنظومة الرسمية العربية، وكذا لتعميق الروابط الأخوية مع الشعوب والنخب السياسية والقيادات الرسمية الشقيقة. واجزم ان الزيارتين سيكون لهما الأثر الهام والايجابي في المشهد العربي والإقليمي والدولي في المستقبل المنظور.
[email protected]
[email protected]