رحل عميد القلم

بي دي ان |

09 ديسمبر 2021 الساعة 12:19ص

يأسرك بعض الأشخاص بسماتهم وملامحهم المتميزة، بغض النظر ان كنت قريبا منهم، او بعيدا عنهم. لانهم تمكنوا من فرض حضورهم في المشهد المعرفي الاعلامي والثقافي وبطبيعة الحال السياسي بشكل مباشر او غير مباشر. واستطاعوا انتزاع ثقة الاخر بهم بعيدا عن درجة التوافق من عدمه، وفرضوا مكانتهم الإبداعية في حقل انتاجهم المعرفي، ليس في وسطهم المحلي الاجتماعي، وانما تجاوزوا الحدود الجغرافية للوطن، وباتوا عنوانا في حقلهم وقيمة معرفية في وسطهم.
حسن البطل، ابن طيرة حيفا، الذي رأى النور في 14 تموز / يوليو 1944 على بعد عشرة كيلو مترات من عروس البحر الأبيض المتوسط، مدينة حيفا، وعانى من نعومة اظافره من شظف العيش نتاج اضطرارعائلته للرحيل عن مسقط رأسها بسبب النكبة في العام 1948إلى دمشق العاصمة السورية، التي تغولت فيها العصابات الصهيونية بسلسلة طويلة من المجازر والمذابح المروعة والوحشية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في سياق حملة التطهير العرقي وبهدف السيطرة على الأرض الفلسطينية لاقامة دولة المشروع الصهيوني، ذاك الطفل الحسن لم تفت في عضده النكبة، فكان احد أولئك المتميزين، الذين ابدعوا في حقل الكلمة السياسية والثقافية والمعرفية عموما. رغم انه درس الجغرافيا الجيولوجية في جامعة دمشق، وحصل على الماجستير في تخصصه. لكنه اتجه للبحث في جيولوجيا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي جغرافية الاعلام العربي، وابحر عميقا في استشراف الزلازل السياسية.
واغنت خبرته ومهارته ومهنيته تجربته الإعلامية، التي بدأها محررا يوميا في إذاعة فلسطين في بغداد، عاصمة العراق الشقيق، وتمرس فن الكتابة، وصهر الكلمة المعبرة، والحاملة لرسالته في كتابته التعليق اليومي ما بين 1972 و1994، ومن خلال احتلاله موقعه في هيئة تحرير مجلة "فلسطين الثورة" في بيروت، عاصمة الثقافة العربية، التي احتل مقاله الأسبوعي فيها مكانا خاصا في أوساط كتاب الرأي فيها وفي غيرها من المجلات الإعلامية السياسية الفلسطينية، وتعزز دور قلمه في مقالته اليومية في جريدة "فلسطين الثورة" بعنوان "في العدو" إلى ان غادر مع قوات الثورة الفلسطينية بيروت بعد اجتياح العدو الصهيوني في حزيران / يونيو 1982.
راكم الكاتب المبدع حسن البطل تجربة خاصة، اتسمت بملامح البطل الإشكالية الإيجابية، ولم يتوقف لحظة عن العطاء والكتابة، والاسهام في ترشيد وعي الشارع الفلسطيني، رغم الانقطاعات الناجمة عن الهجرات المتعاقبة في زمن الثورة. وعندما عادت القيادة وكوادرها ومقاتلي الثورة إلى الوطن في اعقاب التوقيع على اتفاقية أوسلو، عاد البطل معها، والتحق مباشرة بجريدة "الأيام" اليومية مع تأسيسها في مدينة رام الله في 25 كانون اول / يناير 1995، وواصل كتابة مقاله اليومي تحت عنوان "اطراف النهار" حتى شباط / فبراير 2016، حيث باتت اطراف النهار يوما بعد يوم لاسباب صحية. وبالتالي هذه المسيرة المعمدة بالمثابرة والركض اليومي وراء الحدث بالتحليل والاستشراف منحت البطل مكانته التي لا تنازع، وامسى عن جدارة عميد المقال اليومي في الصحافة الفلسطينية بامتياز، وفارس الكلمة الهادفة، ورسول الديمقراطية الدائم، ولهذا تم تكريمه اكثر من مرة، وحصل على العديد من الجوائز عرفانا من النخب الثقافية والأدبية بدوره ومكانته وجدارته.
هذا الحسن النبيل أخيرا قرر الرحيل الابدي بعد ان اضناه واستنزفه المرض، حاول جاهدا مقارعته، لكنه تمكن منه امس الأربعاء الموافق الثامن من كانون اول / ديسمبر الحالي حين ارغمه على اغماض عينيه الاغماضة الابدية، واوقف نبضات قلبه، وفتح الأبواب لصعود روحه إلى ملكوت الخلود.
نعم رحل البطل البطل الإعلامي والمثقف، وترجل عن مسرح الحياة بعد رحلة قصيرة مقدارها 77 عاما، قضاها في ميدان العلم والمعرفة، وحراثة الصفحات بالقلم المبدع، المنتمن والاصيل، وسيبقى فقيد الكلمة والقلم خالدا بيننا بميراثه وعطائه الكبير والغني، وسلاما لحسن يوم ولد ويوم رحل.
[email protected]
[email protected]