دلالات وثيقة الاستقلال

بي دي ان |

15 نوفمبر 2021 الساعة 11:45م

كتبت بالأمس عن تفعيل اعلان الاستقلال في هذه الزاوية، واليوم اعود للرد على احد اعلامي حركة حماس، المدعو مصطفى الصواف، الذي كتب " في ذكرى وثيقة العار"، وتجرد من كل إحساس بالروح الوطنية، لانها أصلا ليست موجودة لديه، رغم انه حاول تعليق نفاقه على شماعة الوطنية، وادعى "الغيرة" عليها، وهي براء منه ومن زمرته الانقلابية المارقة. وكتب الصواف الاخواني، الذي لا يعترف بالوطن والوطنية لا هو ولا كل التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين "عن أي استقلال تتحدثون، خدعتم شعبكم يوم أن اعلنتم عام 88 عن وثيقة استقلال زائف، وهي لم تكن وثيقة استقلال، بل كانت وثيقة إذعان، وتفريط واستسلام، وثيقة اعتراف بالكيان الصهيوني.." وقبل دحض مواقف الإعلامي الصواف، بودي ان استحضر تصريحا للمرشد الأسبق لجماعة الاخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف، عندما قال ان "مسلما في اندونيسيا او ماليزيا اهم من مصر.. "، وبالتالي محاولة ركوب البعد الوطني بعيد عنك، وعن امثالك.
من المؤكد ان وثيقة الاستقلال التي تبنتها دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشر في الجزائر الشقيقة في الخامس عشر من تشرين ثاني / نوفمبر 1988، كانت مستوحاة من روح الثورة في الثورة، من الانتفاضة الشعبية الكبرى 1987 / 1993، تلك الانتفاضة المجيدة، التي أخرجت رقبة الثورة المعاصرة والقضية الوطنية برمتها من مقصلة التصفية، ليس هذا فحسب، انما اعادت الاعتبار للقضية الوطنية، وقزمت كل الأعداء الذين سّنوا سيوفهم وخناجرهم ودسوا سمومهم الخبيثة في الجسد الفلسطيني، واجبرت القاصي والداني على الانحناء لراية وإرادة الشعب العربي الفلسطيني، وفرضت عليهم اجندة الثورة والشعب.
الوثيقة الفريدة بما حملته من رؤى برنامجية، وابعاد قانونية دستورية، كانت بمثابة لوحة فنية، ونصا ادبيا غاية في الجمال والرقي الإبداعي. لا سيما وان من صاغها، هو رمز الثقافة الوطنية، الشاعر الفلسطيني والعربي والاممي الكبير محمود درويش. فجاءت تفيض غنا في الابداع، وحملت في طياتها ومفرداتها، ومفاهيمها وتجلياتها السياسية والفكرية قيما عالية كشفت عن عمق ثقافة وحضارة الشعب العربي الفلسطيني، وعن روحه الوطنية والقومية الفذة، وشحنت الشعب بالامل.
كما ان الوثيقة القطعة النثرية الإبداعية استشرفت المستقبل بروح عالية من الامل، واستلهمت روح العطاء والفداء الوطني فتسامت مع طموحات الشعب العربي الفلسطيني، وصعدت مع مجد اللحظة لتعلن عن الاستقلال الافتراضي للشعب المنكوب على مدار أربعة عقود آنذاك، وسعت الوثيقة والمجلس الذي اقرها لفرض الرؤية الفلسطينية على طاولة العالم، وانتزاع الاستقلال على ارض الدولة الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967 وضمان عودة اللاجئين لديارهم على أساس القرار الدولي 194.
ووضعت الوثيقة النواظم القانونية لتطور المجتمع من حرية الرأي والتعبير، وترسيخ الديمقراطية كاساس لقبول التعددية السياسية والفكرية والاجتماعية، وأكدت على المساواة الكاملة بين المرأة، حارسة نيران الثورة والرجل، ولم تترك الوثيقة شاردة او واردة الا عبرت عنها بجمل انيقة وواضحة وضوح الشمس.
نعم لم تتمكن الثورة وقيادة الشعب حتى الان من تحقيق الأهداف الوطنية في الاستقلال الناجز والعودة، وهذا يعود لجملة من الأسباب والعوامل الذاتية والموضوعية، التي اعتقد ان مصطفى الصواف لا يجهلها، لكنه لا يريد ان يعيها، من بينها دور حركته الاخوانية، التي لعبت ومازالت تلعب حتى يوم الدنيا هذا دورا معطلا للاستقلال الوطني عبر انقلابها، وقبل ذلك عبر رفضها مشاركة القيادة الوطنية الموحدة زمن الانتفاضة الكبرى أي فعاليات مشتركة، ولم تقبل مجرد اصدار بيان واحد مشترك مع فصائل العمل الوطني، ووضعت اسفينا في الجسد الوطني.  
ولا اعرف ان كان الصواف وحركته الانقلابية يعي قيمة واهمية الوحدة الوطنية ام لا، وبغض النظر عن ذلك، فإن تمسك قيادته بالانقلاب وخيار بناء الامارة في قطاع غزة بحد ذاته يعكس التفريط الواضح والعميق ليس بالدولة الوطنية المستقلة على حدود ال1967، وانما يخدم اجندة العدو الصهيوني شاء ذلك ام ابى، وهذا ما اعلنه نتنياهو، الذي كان يحول الأرصدة المالية لقادة حماس بملايين الدولارات، وعبر الشنط القطرية لكي يحافظ على بقائها بهدف تمزيق وتبديد القضية الوطنية، وخدمة المشروع الكولونيالي الصهيوني. لان هذه هي وظيفة فروع جماعة الاخوان المسلمين في بقاع الأرض عموما وفي فلسطين خصوصا.
اذا أيها الاخواني تريث قليلا، ولا ترفع سقفك في الهجوم على سادتك. لكنك اسوة بكل اقرانك لا تتورعون عن كل الخطايا والنواقص، وتغطونها بحملات التضليل والتهريج، على طريقة أكذب اكذب حتى تصدق نفسك ويصدقك الاخرون. كان الاجدر بك، ان لا تتورط في امر يكشف عوراتك، ويفضح خيارك وخيار حركتك، استر على نفسسك، ولا تتعدى او تتطاول على المناضلين الابطال، وعلى اهم وثيقة فكرية سياسية ثقافية فنية فلسطينية، لانها ستبقى منارة وبوصلة للكفاح الوطني التحرري، وسيأتي الاستقلال عما قريب استنادا للوثيقة العظيمة.
[email protected]
[email protected]