بلفور وصاحبة الخطيئة الأولى

بي دي ان |

03 نوفمبر 2021 الساعة 07:46ص

ما زال الفلسطينيون ينكسون أعلامهم ويجددون خيباتهم تجاه تصرف سافر قامت به الحكومة البريطانية في الثاني من نوفمبر 1917، بإعطائها أرض فلسطين لتصبح وطنا قوميا لليهود، في رسالة من وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشليد أحد أبرز الشخصيات اليهودية، ليخلف هذا الوعد المشؤوم آثارا طويلة الأمد، بعد زرع هذا المستعمر الكولونيالي وسط أرض فلسطينية عربية والذي مثل سرطان في جسد فلسطين خاصة والأمة العربية عامة.

هذا الوعد المشؤوم الذي مثل انتهاكا واضحا لسكان فلسطين الأصليين أصحاب هذه الأرض الحقيقيين، والاعتداء التاريخي الذي خلف آلاف الشهداء والجرحى، وآلاف الأسرى الذين مازالوا قابعين خلف القضبان في سجون المستعمرات الهمجية التي تُمارس أقصى أنواع العذاب، بحق فلسطينيين حاولوا جاهدين استعادة الحق الفلسطيني ممن سلبوه واغتصبوه بناء على قرار بلفور. 

غرسة الشر التي غرستها بريطانيا في فلسطين ما زالت تقطر سماًً، فقد عاث الصهاينة في الأرض فسادا وما زالوا حتى كتابة هذه الحروف والتي لم تكن أولها ولا آخرها العدوان السافر على المقبرة اليوسفية بالقدس، ونبش القبور حتى عظام الموتى قفزت هذا الكيان الإرهابي الذي تنعدم فيه الأخلاق والإنسانية والقيم، فالتاريخ لم يسجل في صفحاته سوى مجازر ومذابح صهيونية بحق الفلسطيني، قتل بدم بارد، اعتداءات بوحشية على الأطفال والنساء والشيوخ، سرقة ماء وتهويد أراض ٍوهدم.

لست أدري أي سطور تكفي لكتابة تاريخ من دم سطره أولئك الغزاة عبر سنوات احتلال واغتصاب أرض، وما تزال، هذا التعدي والانتهاك الواضح الفاضح بكل أسف صاحبه مؤخرا عملية تطبيع عربية مجانية مع الاحتلال الإسرائيلي وسبقها حالة انقسام فلسطيني فلسطيني قسمت ظهر الفلسطينيين نصفين، والوطن نصفين؛ وروح الفلسطيني نصفين، فقدنا العمق العربي ومقومات الصمود والتحدي الفلسطيني في آن واحد، وكل هذا في حقيقة الأمر هي عوامل مساعدة لإطالة أمد الاحتلال وزيادة الكوارث وضياع الأرض والحق الفلسطيني، ففيما ينشغل الفلسطينيون بأنفسهم وانقسامهم ومصالحهم الذاتية، يسابق عدوهم القومي الزمن لالتهام الأرض وتهويد القدس، بل وتغيير ملامح المدينة المقدسة وزيادة الجدر العنصرية بين المدن الفلسطينية، ليتم عزل الفلسطينيين عن أنفسهم وعن بعضهم وتشتيت شملهم وقوتهم، وليس فقط لسرقة الأراضي، فالمطلوب أيضا عزل المواطنين في مربعات وكنتونات ليتم السيطرة والاستقواء عليهم. 

ورغم أن بريطانيا هي من تحمل الذنب الأول والخطيئة الكبرى، إلا أنه مع الأسف نحن من تحملنا وزر خطيئتهم ونحن المطالَبون اليوم بنزع الوجود الكولونيالي من أرضنا، ونحن من سنستمر في دفع الدماء والأرواح لحين الخلاص والانعتاق من هذا الاحتلال، ولكن .. في حال استمرت الحالة الفلسطينية بهذا المشهد المترهل والمنقسم والمشتت وفِي حالة عجزنا عن تنقية "الدود" ورميه لن نستطيع أن نغير حالنا ولا من وجود الاحتلال، وسيبقى العالم والأجيال المتعاقبة شواهد حية على أطول وأعقد صراع في العصر الحديث، وستبقى أجيالنا منهكة محبطة مستسلمة، فنحن بحاجة لنهضة فينيق ينهض من تحت الركام ليعلن بداية طريق جديد يختلف عن خط التيه المزدحم بالسكان والقيادات.