كلاجئةٍ على الحدود.. الدميةُ "أمل" تطوف أوروبا حاملةً مآسيها

بي دي ان |

27 أكتوبر 2021 الساعة 12:51ص

دميةٌ خشبيةٌ متحركة، ملامحها شرقية، عيناها الواسعتان تحاكيان عيونَ طفلة سورية لاجئة، حزمت أمتعتها لتطوف شوارع وزقاق البلدان الأوروبية، حاملة بيديها بصيصاً من الأمل للأطفال اللاجئين المهاجرين الذين انفصلوا عن عائلاتهم، أو تاهوا عنها، وقطعوا رحلة لجوء بالغة القسوة والخطورة والمعاناة.

الدمية أمل..

"أمل الصغيرة"، الدمية العملاقة، التي جسدت فتاة سورية صغيرة، بالغ عمرها تسع سنوات، طافت معظم دول العالم، باحثةً عن والدتها، بمسافة بلغ طولها أكثر من 8 آلاف كليومتر، فباشرت رحلة لجوئها من الحدود السورية عبر فرنسا وألمانيا وسويسرا، بل و بلجيكا واليونان، وانتهى بها المطاف بمدينة مانشستر شمالي المملكة المتحدة.

والدمية بلغ طولها 3.5 م، وهي مصنوعة من قضبان خشبية وألياف الكربون، ومن خلال تسعة من محرّكي الدمى الصغار كانت تتحرك، وكان يتناوب ثلاثة أشخاص في كل مرة على تشغليها، فهم كانوا قادرين على التحكم في تعابير وجهها عبر نظام معقد من الأوتار يُعرف باسم "القيثارة"، أحدهم كان داخل هذه دمية، ومن خلال جهاز حاسوب تم التحكم بحركات وتعابير الوجه.

ودمية الأمل صنعتها شركة "هاندسبرينغ بوبيت" في جنوب أفريقيا، وهي مبادرة من عالم الفن تحمل اسم "مسيرة" فهذا العمل الدرامي جسد جولة "أمل" قُدِمت للناس بالأماكن العامة، واستطاعت شرح بعضًا من مآسي اللاجئين. 

أما فكرة مشروع هذه الدمية، المعروف باسم “The Walk”، جاءت من مسرحية "جو مورفي وجو روبرتسون" المسماة “الغابة”، التي تستند في أحداثها إلى مخيم اللاجئين في كاليه بفرنسا. 

لاجئةٌ على حدود الوطن..

وانطلقت أمل برحلتها في يوليو/تموز الماضي، حيث استغرقت 4 أشهر في جولتها الأوروبية التي تعقبت خلالها محطات اللجوء الأوروبية التي مر ويمر بها اللاجئون السوريون، وكانت رحلتها بإشراف فريق مسرح "The Jungle" القائم على هذا العمل الدرامي، وباستقبال استعراضي مسرحي، استطاعت زيارة ما يزيد على 70 مدينة وبلدة في شوارع المدن الرئيسية الأوروبية. 

وتنوعت أحداث الرحلة بكل مدينة زارتها، ففي العاصمة الإيطالية "روما"، مرت أمل بمبانٍ مطلية بلوحات فنية تصور القصف الذي تعرضت له البيوت السورية، والتي رسمها الفنان السوري تمام عزام. 

كما احتفلت بعيد ميلادها العاشر في لندن، مع أداء جوقة الفجر في دار الأوبرا الملكية وحفل في متحف فيكتوريا وألبرت وسط جمهور من الأطفال الذين كانوا يرحبون بـها ويتبعونها في مسيرتها.

 وعند مرورها بالعاصمة الفرنسية جرى إعداد وقفة لها في ساحة حقوق الإنسان بالقرب من برج إيفل، وأيضا تم إطلاق مجموعة من الحمام خلال مرورها بباريس في رمزية للتفاؤل بحلول السلام وانتهاء المعاناة. 

وأمام مكتب الأمم المتحدة في مدينة جنيف بسويسرا توسطت أمل أعلام دول العالم المرفوعة، وهي حاملة شعارها " "لاتنسونا" بمحاولة منها أن ترسل رسالة للعالم أجمع من فضلكم لا تنسونا ساندونا. 

من رماد الفن جُسدت..

يقول منتج مبادرة دمية أمل، ديفيد لن أنه: "قررنا إعادة إحياء الرحلة التي خاضها ملايين الأشخاص، كنوع من التكريم لهم، لكننا قررنا أننا لن نقوم بها شخصياً، وإنما من سيقوم بها يجب أن يكون طفلاً، مثل المئات والآلاف من صغار السن الذين قطعوا هذه الرحلة بحثًا عن الأمان بمفردهم". 

أمير نزار الزعبي، المدير الفني لمبادرة دميةأمل، يؤكد أن رحلة أمل في غاية الأهمية بسبب أن العالم بدأ ينشغل بقضايا أخرى لذا من المهم جدا جلب تركيز العالم مجدداً إلى قضية اللاجئين. 

وفي ذات السياق، تتابع نعومي ويب ، "بعد 3 سنوات من التحضير، وشهرين من بدء الرحلة، أصبحت الدمية أمل رسالة بسيطة لكنها قوية لجميع شعوب أوروبا: "من فضلكم لا تنسونا"". 

وقالت كلير بيانين التي أخرجت مسيرة الدمية في فرنسا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا: "نحن فنانون، لذلك يكون لنا عاطفة وننشئ تعاطفا في محاولة تغيير الأشياء"

وأضافت: "ندعو الأطفال في أنحاء العالم لكتابة رسائل لأطفال مثل أمل وسنجلبها للبرلمان الأوروبي. نستخدم الأدوات التي بحوزتنا والتي هي الصور والجمال والفن والمجتمعات المختلفة". 

هناك أمل..

ولـ "بي دي ان "،يروي اللاجئ السوري المقيم بدولة ألمانيا، عبدالرحمن الغوثاني، " بصفتي لاجئ من سورية، أقيم بدولة ألمانيا ومهجرٌ عن عائلتي منذ سنوات عدة، وبعض من عائلتي مازالوا متواجدون بدولتي الأم ، وآخرون منهم في دول أخرى، أنا و عائلتي وغيرنا الكثير نتمسك بأمل العودة لبلادنا وحقنا بالعيش بكرامة بأي مكان" 

ويضيف الغوثاني،:" نريد أن نعيش حياة سلمية بحقوق متكالمة، ونريد أن يعرف العالم أجمع أننا برغم هذه المعاناة التي نعيشها هنا ونحن متجولين حول بلدان العالم باحثين عن مأوى يحتوينا، ورغم الصعوبات التي نواجهها، فإننا سنبقى معانقين الأمل ومحققين أهدافنا وسنكون متميزين على الدوام، لنعود بكل فخر ونصر إلى بلادنا" 

ويتابع عبد الرحمن حديثه،: "دمية أمل جسدت حكايتنا، لأنه بالنسبة لنا نحن اللاجئين، فإننا نستيقظ كل يوم بأمل جديد وتفاؤل بأن الغد سيكون دوما يوما أفضل وأكثر إشراقا". 

واختتم حديثه، " دمية الأمل بجولتها الرمزية جسدت بؤس أوضاعنا، ونأمل أن تترجم لبرامج عملية ميدانية وأن تمد لكل لاجئ يد العون لانتشاله من بؤس أوضاعه بمحطات اللجوء" 

بلغة الأمل تجولت..

"دمية الأمل" تجولت كلاجئة على الحدودِ، تتجه للشرق والغرب.. وللجنوب والشمال.. وحقيبتها مكللة بالأمل على أكتافها، لكن عيناها تناظر خلفها، تناظر وطناً حروفه اسمها واسم كل لاجئ، جذبت الجميع لينظروا إليها علّهم أن يمدوا أيديهم لها ويأخذونها إلى هناك حيث الملجأ، حيث الأمان، حيث الوطن الذي أنجبها.