تداعيات ازمة جماعة الاخوان المسلمين

بي دي ان |

18 أكتوبر 2021 الساعة 11:56م

ظاهرة طبيعية جدا نشوء وظهور تناقضات في مركبات الحركات والجماعات والأحزاب نتاج التباين والاختلاف في وجهات النظر، وكذا لاعتبارات شخصية وتنظيمية ومالية وما يتبعها من الامتيازات. وتقول المقولة الفكرية، ان كل ظاهرة من الظواهر اجتماعية ام طبيعية تحمل في طياتها تناقضاتها، وهذه التناقضات تساهم في تطور هذه القوة او تلك، إلا إذا خرجت عن السياق العام، وبلغت مستوى من التناقض التناحري، عندئذ تنفلق الوحدة الحزبية، لإن شرط التماسك والتكامل انتفى، ولم يعد موجودا.
ومن تابع تاريخ الحركات والأحزاب القومية واليسارية والدينية شاهد وقوعها جميعا في أزمات حادة نجم عنها انشقاقات في صفوفها. وهنا الامر لا يقتصر على كبر واتساع هذه القوة او تلك، لان الصراع الداخلي يشمل كافة القوى جميعها.
ولو توقفنا امام جماعة الاخوان المسلمين كنموذج، لرأينا انها أسوة بغيرها، عاشت عددا من الانشقاقات منذ بداية تأسيسها، عندما انشقت "جماعة محمد" على حسن البنا، المرشد الأول للإخوان المسلمين، بيد انه تمكن آنذاك (البنا) من تقويض انشقاقهم بالانتماء لهم، وتلا ذلك انقسام حاد مع تولي حسن الهضيبي المكانة الأولى في الجماعة خلفا للمرشد الأول. فضلا عن الازمات والتناقضات التي نشأت منذ عام 2013 في الجماعة، وخاصة ما حصل عام 2015 في اعقاب اضراب ميدان المطرية. وانا لست هنا في وارد معالجة تاريخ الاخوان المسلمين في هذه العجالة.
لان ما يهمني هنا هو تسليط الضوء سريعا على الازمة الحالية التي تعيشها الجماعة، ونجم عنها انشقاق بين المجموعة التي يقودها القائم بأعمال المرشد العام، إبراهيم منير، ومجموعة الستة بقيادة محمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، الذي اقاله منير من منصبه، وعلى أثر ذلك قامت مجموعة حسين بإصدار بيان رسمي ادلى به طلعت فهمي اعلنت فيه فصل منير من منصبه كقائم بأعمال المرشد. وبالمقابل صدر بيان عن مضاد من المجموعة، التي تعتبر نفسها القيادة الشرعية للجماعة برئاسة إبراهيم منير بإحالة الستة بقيادة محمود حسين للتحقيق، وحلت الهيئة المشكلة في 10/1/2021. ومازالت عمليات الاستقطاب والاستحواذ والشد والرخي منذ العاشر من أكتوبر الحالي 2021 تدور رحاها بين الطرفين في حرب معلنة من قبلهم، ولم تعد سرا مخفيا داخل اطر الجماعة. وحتى الان لا تعرف نتائجها اللاحقة، ولا انعكاساتها على مستقبل الجماعة، ولا الافاق التي يمكن ان تصل لها. لاسيما وان كل من المجموعتين يدعي الشرعية.
ولكن من النتائج الماثلة للجميع نلحظ التالي: أولا هناك قيادتان للجماعة؛ ثانيا انقسام مجلس الشورى وتوزعه على المجموعتين؛ ثالثا كل من المجموعتين يملك أوراق قوة بيديه، مجموعة حسين بيدها بيت المال، ومفاتيح الجماعة، وجماعة منير لديها دعم نخب من القيادات التاريخية بالإضافة لاستقطابها مجموعات الشباب، واولت عددا منهم مهام الناطقين باسمها؛ رابعا احتدام الصراع بين ما يسمى المجموعة التركية والمجموعة المصرية نسبة لمواقع كل منهم الجغرافي؛ خامسا غياب الرؤية البرنامجية لكلا الطرفين في كيفية الخروج من الازمة، ومعالجة تداعياتها، هذا من جهة، وقراءتها للتعامل مع مستقبل الجماعة، والتحديات المنصوبة امامها لحماية الحركة والمحافظة عليها كقوة أساسية في المشهد السياسي المصري، ودورها المركزي في العلاقة مع فروع التنظيم الدولي.  
كما ان كلا المجموعتين تعمل الان على استقطاب المعتقلين من شيوخ الجماعة، الذين نأوا حتى الان بأنفسهم عن تحديد موقف واضح مع أي منهما بانتظار ما يمكن ان يترتب على عملية الانشقاق المعلن. بيد انهم بالمحصلة النهائية يفترض ان يحددوا لاحقا موقفا واضحا مما جرى، وقد ينعكس الانشقاق عليهم، وبالتالي قد يكونوا موزعين بين المجموعتين.
من المؤكد ان الانشقاق الحالي، رغم انه الاوضح والاكبر في السنوات والعقد الأخير، غير انه لن ينهي الجماعة، كما يفترض البعض. ولكن الانشقاق يحمل في طياته تداعيات ثقيلة على مكانة ودور الجماعة في المشهد السياسي المصري والعربي والإسلامي، وسيترك بصمات واضحة على مدى رهان القوى الرأسمالية على الجماعة في القيام بالمهام الموكلة لهم. أضف إلى ان الصراع الدائر سينعكس على مختلف فروع التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين. وقادم الأيام كفيل بالأجابة على الاستنتاجات انفة الذكر.
[email protected]
a.a.alrhman@ gmail.com