خلفيات موقف الحية

بي دي ان |

16 أكتوبر 2021 الساعة 11:44م

ما بين القول والفعل عند جماعة الاخوان المسلمين عادة يكون بون شاسع من التناقض. لأنهم بالعادة يقولون شيئا، ويفعلون النقيض تماما. بيد ان مرات يتطابق القول مع الفعل، ويكرسه، وتكون رسالته واضحة جدا. ويعود الفرق في الإعلان عن المواقف لطبيعة اللحظة السياسية، والشرط الذاتي لفرع الجماعة، او للتنظيم الدولي في حال كانوا في ازمة ومحاصرين يقلبون الحقائق رأسا على عقب، وعندما يكونون في أوضاع مناسبة وملائمة لخيارهم السياسي، يتجرأون على قول الحقيقة، ولا يخشون من الإعلان عن مواقفهم.
ما تقدم له علاقة مع ما صرح به أمس السبت الموافق 16/10/2021 لقناة "الأقصى" خليل الحية، نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة، ورئيس مكتب العلاقات العربية الإسلامية فيها، في تقدير موقف لنتائج زيارة وفد الحركة للقاهرة، ولقاء الوزير عباس كامل وقادة جهاز المخابرات المصرية، فأكد بشكل صريح، لا يشوبه أي غموض او التباس حول العلاقة مع السلطة ومنظمة التحرير والانتخابات البلدية والمجالس المحلية، فقال إن "مشروع منظمة التحرير وفريق عباس لم يعد موجودا، وليس له أي افق سياسي." وتابع موغلا في التطاول والإساءة لمواقف القيادة الشرعية والسلطة، أن السلطة الفلسطينية "غدت سلطة تنسيق أمني، ومحاربة للحريات وقتل الناس على الرأي"، مشيرا إلى ان "السلطة متورطة في جزء من حصار غزة." وختم عن الانتخابات، بانه لا قيمة لها، وان حماس غير معنية بها.
لو دققنا فيما أعلنه الحية، نلحظ التالي: أولا نجد من مجمل القراءة لمواقفه تأكيده تمسك الحركة بخيار الانقلاب على الشرعية، والعمل على تأبيده، ولم يشر حتى من باب ذر الرماد في العيون بكلمة ولو عابرة للمصالحة، وهو ما يعني شطب الملف كليا من الاجندة الحمساوية. ودليل إضافي لما تقدم، ضمنه عضو المكتب السياسي لفرع الاخوان المسلمين في محافظات الجنوب في حديثه لقناة الحركة، عندما قال، بأن الحركة حملت هموم شعبنا في غزة، مرحبا بالدور المصري في تعزيز صمود شعبنا والتخفيف من معاناته (والحديث عن غزة فقط)، وأضاف "إننا تحدثنا عن عملية إعادة الاعمار وسبل الإسراع في تخفيف معاناة شعبنا." ومن المؤكد لا أحد ضد الحديث عن ملفات القطاع، ولكن يفترض ان يكون جزءا من الملفات الفلسطينية المختلفة وفي طليعتها القدس العاصمة الأبدية وما يجري في احيائها ومقابرها وحوضها المقدس، وهذا يعكس رؤية وتوجهات الحركة السياسية والاقتصادية والأمنية، العمل على تثبيت قاعدة الانقلاب على الشرعية في القطاع؛ ثانيا إدارة الظهر والتخلي عن أي حوار مع المنظمة والرئيس أبو مازن وحركة فتح. واعتبارهم خارج نطاق الحساب السياسي في الاجندة الاخوانية عموما والحمساوية خصوصا، وهو ما نطق به بشكل عميق عندما أكد بعد الزيارة، إن "مشروع منظمة التحرير وفريق عباس لم يعد موجودا، وليس له افق سياسي." وكأنه يوحي للمراقب والمستمع، ان هناك وعودا بالالتفاف على قيادة منظمة التحرير الشرعية وعلى رأسها محمود عباس، والعمل على شطبها؛ ثالثا قلب الحقائق رأسا على عقب في أكثر من مسألة، باتهام السلطة، سلطة تنسيق أمني، وتناسى دورهم المباشر وغير المباشر بالتنسيق الأمني وغير الأمني مع دولة المشروع الصهيوني، وتجاهل مسؤوليات السلطة والمنظمة وتحملهما ملفات الشعب العربي الفلسطيني في الوطن والشتات كلها السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والثقافية والأمنية بما في ذلك محافظات الجنوب. والانكى والأمر اتهامه السلطة بمحاربة الحريات وقتل الناس على الرأي، ولم يخجل او يرف له جفن وهو يتشدق بذلك، وتناسى انه وحركته الاخوانية، وليس أحد غيرهم من مارس ويمارس القتل قبل الانقلاب واثناءه وبعده حتى يوم الدنيا هذا، وفي الآونة الأخيرة تم قتل على الأقل عشرة اشخاص أبرياء على حرية الرأي. وبالتالي قلبه للحقائق امر يثير السخرية، ولكنه اسوة بغيره من قادة الانقلاب الأسود يعتمدون مقولة "إن لم تستحِ افعل ما شئت"؛ رابعا اتهام السلطة ب"حصار" غزة يعكس الايغال في قطع شعرة معاوية مع القيادة الشرعية، والتمترس في دوامة الانقلاب، ومحاولة تبرئة العدو الصهيوني من جرائمه ضد أبناء الشعب في القطاع والقدس وعموم الضفة الفلسطينية وأيضا في داخل الداخل، والتغطية على دورهم في تعميق عملية الحصار بالتواطؤ مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؛ خامسا تأكيده بفمه ولسانه، ان المواجهات الأخيرة في مايو الماضي، او ما اسموها معركة "سيف القدس" لم تحقق اية نتائج تذكر، وهذا ما اكد عليه، حين قال إن الأمور تقريبا عادت إلى ما كانت عليه قبل عدوان الاحتلال (أيار / مايو 2021)، أي انهم سببوا الدمار لأبناء الشعب الفلسطيني في القطاع دون تحقيق أي هدف سوى مزيد من الدمار والقتل للأبرياء من أبناء الشعب.
مقابلة خليل الحية تحتم على قيادة منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الوطنية اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الوطنية لعقد دورة المجلس المركزي في أقرب وقت لمواجهة التحديات الماثلة، والتصدي لحماية دور ومكانة منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، وحماية المشروع الوطني وإيجاد السبل الكفيلة بطي صفحة الانقلاب الأسود وترميم جسور الوحدة الوطنية، وتصعيد المقاومة الشعبية ومحاربة كل المظاهر والظواهر الخاطئة في البيت الفلسطيني.
[email protected]
[email protected]