نبيل عمرو والحلقة الخامسة من كتاب “أطول أيام الزعيم”

بي دي ان |

03 أكتوبر 2021 الساعة 05:18م

الحلقة الخامسة من كتاب القيادي الفلسطيني نبيل عمرو “أطوّل أيام الزعيم” والذي يوثق فيه خروج منظمة التحرير وزعيمها ياسر عرفات من العاصمة اللبنانية بيروت.
 

صار لا بُدّ من مغادرة ‏المكان. فالهاربون إلى ‏الشرق قد يبلِّغون الخصوم ‏عن المكان الذي يوجد فيه ‏الرجل المستهدف، والذي ‏قالت الرسالة القادمة من ‏أمريكا‎ ‎إن هنالك من لا يريده ‏أن يخرج حيًّا من بيروت.‏

عُدنا للتجوّل بالسيارة دون ‏مقصد محدد، يهيمن علينا ‏هاجس أن كل المكاتب ‏والمقرّات وحتى البيوت ‏واقعة تحت مرمى عدسات ‏الكاميرات المنتشرة برًا ‏وبحرًا وجوًا. ما زلنا في ‏منتصف شارع الحمرا. كان ‏فتحي قد أنجز توزيعًا متقنًا ‏للعشرات من زملائه، واتفق ‏معهم على طرق خاصة ‏للاتصال به. شاهدنا اثنان ‏منهما. عادل زيادة وكمال ‏مدحت، يشيران إلينا ‏بالتوقّف. وبالفعل توقفت ‏السيارة بمحاذاتهما، أنزل ‏القائد العام زجاج النافذة ‏وسأل‎:‎
‏-‏‎ ‎‏ عرفتو الانفجار فين؟

أجابا:‏‎ ‎
‎ – ‎نعم ولقد تم استهداف ‏العمليات المركزية في ‏الصنايع، إلا أن البناية ‏المجاورة لها نالت النصيب ‏الأكبر من الخسائر، فلم ‏يخرج من سكانها أحد حيًا‎.

رفع زجاج النافذة وأمر ‏فتحي بالعودة إلى الوراء ‏حيث المكان الذي دُمّر. قال ‏فتحي‎:‎

  • يا ختيار مفيش داعي ‏تروح هناك، فالإسرائيليون ‏يقصفون أول مرة، ‏ويصطادون طريدتهم في ‏المرة الثانية فما الذي يضمن ‏أن لا يقصفوا ثانية وأنت ‏هناك؟ ستكون مجزرة.‏

أعجبتني مداخلة فتحي. ‏كانت دقيقة ومجربّة. فحين ‏قصفت الطائرات الإسرائيلية ‏معاقل الثورة في محيط ‏المدينة الرياضية قبل أشهر ‏وتجمع الناس حول الركام ‏لانتشال الجثث ونقل ‏الجرحى إلى المشافي، ‏قصف ذات المكان بعد عشر ‏دقائق، وكان ضحايا القصف ‏الثاني أفدح من الأول‎.‎‏ ‏

  • تحرّك يا فتحي إلى المكان ‏فورًا.

لم يملك المرافق إلا الإذعان ‏لأمر رئيسه. استدار وعاد ‏بنا إلى الموقع المُدمّر. كانت ‏خمس دقائق تفصلنا عن ‏المكان كافية لأن أحاول ثني ‏الرجل عن المجازفة، وآخر ‏ما توصلت إليه معه، أن لا ‏يطيل البقاء في المكان بما لا ‏يزيد عن الوقت اللازم لإلقاء ‏كلمة تشجيع مختصرة. بدا ‏لي أنه قبل باقتراحي. وصلنا ‏إلى المكان، ترجَّل من ‏السيارة وتبعناه. اندمج بحشد ‏المواطنين ورجال الإسعاف ‏والدفاع المدني الذين كانوا ‏يقومون برفع الأنقاض ‏وانتشال الجثث‎.‎

من الخصائص القيادية ‏للزعيم أنه ومن أجل أن يقود ‏بجدارة ومصداقية، فلا بد وأن ‏يتقدّم الصفوف

المشهد الدامي وما رأيناه ‏وشى بأن لا جرحى في هذه ‏الموقعة بل قتلى. بعد كلمة ‏تشجيعية موجزة صعد إلى ‏السيارة وانطلقنا دون أن ‏نعرف إلى أين. من صفات ‏القائد العام أنه يبكي وقتما ‏يشاء، وحين وضع رأسه بين ‏كفيه وأجهش بالبكاء بدا لي ‏أن الرجل يبكي من شدة ‏التأثّر ليس مما رأى بل مما ‏فعل. ولهذا حكاية تبرر ليس ‏البكاء فقط بل واللطم على ‏الوجه‎.‎

في سياق الحرب التي سبقت ‏الاجتياح النهائي احتلت ‏ميلشيا محلية معادية مخيمًا ‏فلسطينيًا صغيرًا ومعزولًا ‏وكان بمثابة جزيرة تحيط بها ‏النار من كل الجهات. شفع ‏لسكان المخيم القلائل في ‏البداية أنهم مسيحيون، إلا أن ‏حمى الحرب التي وصلت ‏حدّ نفاذ بنك الأهداف، أدت ‏إلى أن تطلب الميليشيا ‏المحلية المسيطرة على محيط ‏المكان من سكان المخيم ‏الصغير “الضبية” الالتحاق ‏بالمخيمات الكبيرة الخارجة ‏عن نطاق سيطرتها. وحين ‏وصلوا إلى بيروت الغربية ‏امتص الأقارب والمعارف ‏عددًا منهم. أمّا الذين بقوا ‏بغير مأوى فقد أمر بإسكانهم ‏في البناية القريبة من غرفة ‏العمليات المركزية، وأمر ‏بالبحث عن مأوى لهم في ‏مكان أكثر أمانًا.‏‎ ‎‏ ‏

قلت:‏
‎- رحمهم الله. كُلٌّ يواجه ‏قدره في الحياة والموت.‏

وضعت يدي على كتفه، ‏وأضفت مواسيًا ومشجِّعًا:‏‎

  • ‎كان يمكن أن نكون مثلهم ‏لولا الصدفة. وكم نجونا من ‏موت محقّق، وكم من صديق ‏وعزيز ودّعنا في هذه ‏المسيرة الدامية.‏‎ ‎توقّف عن ‏البكاء فأمامك الكثير لتعالج. ‏فنحن في الأيام الأخيرة ‏ومعركتنا السياسية أكثر ‏تعقيدًا من العسكرية‎.‎

أدار وجهه ناحيتي وقال بعد ‏أن جفّت الدموع‎:

‏- ليرحمهم الله. ليرحمهم ‏الله‎.‎

كانت الساعة قد جاوزت ‏الواحدة بقليل، وبينما كان ‏فتحي يقود السيارة على مهل ‏وينتقل من شارع ضيّق إلى ‏شارع آخر تفاديًا لعدسات ‏الكاميرات، خطرت ببالي ‏فكرة كان أحد زملائي ‏العاملين في الإذاعة قالها في ‏معرض استعراضه لخبراته ‏العسكرية، مفادها أن أكثر ‏الأماكن أمنًا من القصف ‏الجوي هي خطوط التماس ‏حيث لا يفصل المتقاتلين عن ‏بعضهم البعض سوى أمتار ‏قليلة. ورغم عدم تأكدي من ‏صدقية هذه الفكرة إلا أنها ‏بدت لي معقولة، ونحن ‏نواجه احتمال القصف أو ‏القنص بواسطة الطائرة، وما ‏حدث قبل أقل من ساعة أي ‏تفجير المقر، عزز هذا ‏الاحتمال‎.‎

لبرهة من الزمن ‏شعرت باستحالة النجاة من ‏الموت، وأنا مع هذا الرجل ‏في سيارة كالضريح

كنت لبرهة من الزمن قد ‏شعرت باستحالة النجاة من ‏الموت، وأنا مع هذا الرجل ‏في سيارة كالضريح، ‏وشعرت رغم معايشتي ‏لجميع الحروب التي فرضت ‏علينا وخاصة في المدن، ‏بأنني وصلت إلى ما لم أصل ‏إليه من قبل؛ اليأس. ‏عبرت في خاطري صور ‏زوجتي بشرى وأبنائي ‏طارق ونرمين ومروان ‏ونادين لم يكن محمود آخر ‏العنقود قد ولد بعد. حين ‏أودعتهم وباقي العائلة سيارة ‏أجرة كي يسافروا إلى مدينة ‏الزرقاء الأردنية حيث يقيم ‏أهل زوجتي. ألحّ عليّ ‏هاجس أنني لن أراهم ثانية. ‏كان أسعد خبر تلقيته وأنا في ‏قلب ذلك الجحيم، أنّ جميع ‏أفراد أسرتي ومعهم أفراد ‏أسرة زميلي طاهر العدوان ‏قد وصلوا بأمان إلى الأردن، ‏فكسبنا مساحة من الحرية ‏لإدارة شؤون الإذاعة ‏الميدانية دون خوف على ‏أسرنا المعرّضة للخطر‎.‎

كنت وأنا في المقعد الخلفي ‏لسيارتي، أقلّب خيارات ألوذ ‏بها من أجل النجاة ‏الشخصية، هل استأذن من ‏الرجل المطارد وانفصل عنه ‏بذريعة أن عملي يحتاجني؟ ‏لم أجد في نفسي الجرأة على ‏مواصلة التفكير في خيارات ‏النجاة الشخصية، فالرجل ‏الأهم مني آلاف المرات ‏والذي يحبس العالم أنفاسه ‏حول مصيره لا يفكر في ‏التخفي أو الهرب، فأيّ ‏مسوّغ إنساني أو أخلاقي ‏يسمح لي بذلك. طردت ‏الفكرة من ذهني وقررت ‏مواصلة البقاء مع الرجل ‏حتى النهاية.‏‎ ‎

من الخصائص القيادية ‏للزعيم أنه ومن أجل أن يقود ‏بجدارة ومصداقية، فلا بد وأن ‏يتقدّم الصفوف. كان يقوم ‏بأعمال يمكن أن يقوم بها ‏ضباط صغار يحتلون مراتب ‏دنيا في جيشه. وحين كنّا ‏نراه في وضع كهذا كنّا نفسر ‏لأنفسنا لماذا نمضي معه ‏حتى لو جرى مسرعًا نحو ‏خطر محقق.‏‎ ‎

ما زالت السيارة تسير ببطء ‏على الشوارع الخلفية ‏والضيقة، والتي يخفيها جدار ‏طويل ومرتفع من البنايات ‏البيروتية الشاهقة‎.‎

  • ما رأيك بزيارة تفقدية ‏لقواتنا المتمركزة على ‏خطوط التماس، إنها ‏ضرورية وخصوصًا في ‏هذه الظروف. فمقاتلونا ‏يعيشون تحت وطأة الظنّ ‏بأن قصف غرفة العمليات ‏أدى إلى إصابتك أو ‏استشهادك في المكان، ‏كذلك فإنهم يتابعون ‏الأخبار التي تتحدث عن ‏الرحيل وهذا يمكن أن ‏يضعف جاهزيتهم للقتال ‏حال استئنافه في أي ‏لحظة. إن ظهورك أمامهم ‏سيكون له أبلغ الأثر في ‏شحن معنوياتهم‎.

أعجبته الفكرة وأمر فتحي ‏بالتوجّه إلى خطوط التماس. ‏كان شرط فتحي أن لا ‏يترجّل الزعيم، وأن يكتفي ‏بتحية المقاتلين دون مغادرة ‏السيارة فلا نعرف أين يكمن ‏القناصون. إلا أنني لم أكن ‏متأكدًا من أنه سيلتزم بطلب ‏فتحي. فعندما يرى المواقع ‏المحصّنة والأسلحة الجاهزة ‏للعمل، والرجال الذين ‏يعتمرون الخوذات الفولاذية ‏وراء بنادقهم ورشّاشاتهم، ‏من الذي سيمنعه من مغادرة ‏السيارة لمعانقتهم والتحدّث ‏إليهم.‏‎ ‎

ما إن وصلنا إلى أول موقع ‏على خطوط التماس، وعرف ‏الواقفون عليه بأن الجالس ‏في السيارة الزرقاء غير ‏المصفحة هو قائدهم، حتى ‏تركوا مواقعهم وتحلّقوا حوله ‏وتناوبوا على تقبيله، وهم ‏يقولون الحمد لله على ‏السلامة. ظنناك استشهدت. ‏وقال أحد الظرفاء: “أبو ‏عمار بسبعين روح”. فهم ‏قائد الموقع إشارة فتحي بأن ‏يأمر رجاله بالعودة إلى ‏مواقعهم‎.‎‏

ودّع القائد العام المقاتلين ‏وانتقلنا إلى موقع آخر‎.‎

كان فتحي هو دليلنا في ‏التعريف على انتماءات ‏المقاتلين الذين يتمركزون ‏وراء التحصينات على تلك ‏الخطوط التي تحيط ببيروت ‏الغربية إحاطة السوار ‏بالمعصم. كانوا يستوقفونه ‏فيضطر للنزول من السيارة ‏ليعانقهم فردًا فردًا وحين ‏يقولون له الحمد لله على ‏السلامة كان يجيب بجملته ‏الأثيرة: “تعرفون أنني ‏الشهيد الحي”.‏‎ ‎

أكملنا الطواف على مواقع ‏قواتنا وقوات حلفائنا على ‏خطوط التماس مع بيروت ‏الشرقية. كان فتحي يشرح ‏لنا:
هذا الحاجز للمرابطين ‏تُعرّف عنه صورة جمال ‏عبد الناصر وإبراهيم قليلات، ‏وذاك للقوميين السوريين ثم ‏للشعبية والديموقراطية ‏والتقدمي الاشتراكي الخ‎.‎

قال فتحي:‏
‎ -‎ما رأيكم باستكمال الجولة ‏بتفقّد الضاحية الجنوبية؟‎ ‎

هوى قلبي خوفًا من الفكرة. ‏فهناك يكمن الخطر الأشدّ. ‏الضاحية الجنوبية تعني ‏معقل الشيعة ومنظمتهم ‏العسكرية (أمل)، وتعني كذلك ‏التماس المشتعل مع المطار ‏والطريق الرئيس المؤدي ‏إلى الجنوب والذي احتله ‏الإسرائيليون بحيث صاروا ‏على بعد أمتار من حدود ‏الضاحية، وهنالك مخيم ‏فلسطيني كبير هو برج ‏البراجنة. وما كنت أعرف ‏عن الضاحية كذلك أنها ‏منطقة التصاهر بين ‏الفلسطينيين واللبنانيين دون ‏إقامة أدنى اعتبار لكون ‏الفلسطيني سنيّا واللبناني ‏شيعيًا‎ ‎أو من أي طائفة ‏أخرى!‏

إذًا ورغم أنني حاولت ثني ‏الزعيم عن الذهاب إلى هناك ‏إلا أنه أصر وأمر فتحي ‏بالتوجّه إلى تلك المنطقة ‏الخطرة‎.‎

خبرة فتحي بالطرقات ‏الرئيسية والفرعية ساعدتنا ‏في الوصول إلى أول كمين ‏متقدم يقع على تخوم ‏الضاحية خلال أقل من ربع ‏ساعة. كانت قواتنا تتمركز ‏في محيط السفارة الكويتية، ‏وكانت طلائع الجيش ‏الإسرائيلي قد تمركزت على ‏بعد أمتار قليلة هي عرض ‏الشارع الذي يفصل بين ‏القوات المتحاربة. تذكرت ‏ونحن نرى السفارة الكويتية ‏من شارع فرعي آمن من ‏القصف والقنص أنّ قائد ‏الموقع الفلسطيني واسمه أبو ‏سفيان، كان قد زارنا في ‏الإذاعة، وطلب إعداد ‏أشرطة باللغة العبرية يبثها ‏عبر مكبر للصوت كي يلقي ‏الرعب في نفوس الجنود ‏الإسرائيليين الذين يقفون ‏قبالته. أعدّ القسم العبري في ‏إذاعتنا نداءات بلغة عبرية ‏متقنة تقول للجنود ‏الإسرائيليين “بأن مصيرهم ‏الموت”‏‎.‎

تجاوزنا السفارة الكويتية، ‏ولما وصلنا أول الضاحية ‏طلب الزعيم من فتحي أن ‏يتوقف‎.‎‏ هبط من السيارة ‏وهبطت وراءه، فإذا بنا أمام ‏بيت صغير، وفي فنائه ‏الأمامي كانت تجلس امرأة ‏في الأربعينيات من عمرها ‏تخبز على الصاج. كان ‏الجوع قد أنهكني. كنت أشعر ‏بدوار وغثيان. لم يكن في ‏جوفي سوى بعض فنجان ‏القهوة الذي لم أكمله بفعل ما ‏حدث أمام الفرن وعصير ‏البرتقال الذي شربناه في ‏منزل رئيس الاستخبارات. ‏أعذب رائحة شممتها في ذلك ‏اليوم كانت الرائحة العبقرية ‏المنبعثة من الخبز والحطب ‏المشتعل، حتى خُيّل إلىّ أن ‏صاحبنا ترجّل بصورة ‏مفاجئة استجابة لنداء ‏الرائحة.
‏‎ ‎
تعرفت السيدة عليه، تخلصت ‏من العجين العالق على يديها ‏انقضّت عليه احتضنته ‏وغمرته بالقبل، اقتادته إلى ‏داخل الغرفة الكوخ، جلنا ‏بناظرينا لتفحص الصور ‏المعلقة على الجدار، فمنها ‏نعرف الهوية السياسية ‏لأصحاب المكان. رأينا ‏صور جميع الأماكن المقدسة؛ ‏قبة الصخرة والمسجد ‏الأقصى والكعبة والمسجد ‏النبوي. أقسمت المضيفة أن ‏يكون بينها وبين الزعيم “عيش وملح”. لاحظت بعض ‏تحفّظ على وجهه، فتوليت ‏دور القيادة لدقيقة وقلت:‏

  • يسعدنا أن تكون أوّل ‏وجبة طعام لنا هذا اليوم في ‏بيتك العامر.‏‎ ‎

كانت وجبة مهولة، هكذا ‏تصورتها وأنا على جوع. ‏كانت قد أضافت إلى خبز ‏الصاج الطازج والساخن ‏اللبن الرائب، مع حبّات من ‏الزيتون المغموسة بالزيت. ‏أكلت بنهم بينما أكل الزعيم ‏كعادته بتحفّظ، وقبل أن نُودع ‏السيدة المضيفة طلبت رغيفًا ‏لفتحي‎.‎

أكملنا الطواف ليس على ‏الكمائن في هذا الجزء من ‏الرحلة بل في شوارع ‏الضاحية والمخيم. أمضينا ‏زهاء ساعة، لم يكن ممكنا ‏تفادي إقبال المواطنين على ‏تحية الزعيم وسؤاله عما ‏ينتظرنا. غدًا هو نفس ‏السؤال ولكن بصيغ متفاوتة، ‏متى تتم المغادرة؟ وإلى أين؟ ‏إلا أن سؤالًا إضافيًا جعل ‏قلبي يهوي خوفًا وقلقًا وما ‏الذي سيحل بنا بعد ‏خروجكم.‏‎ ‎

أجاب الزعيم‎:‎

  • إنّ أحد أسباب تأخر ‏مغادرتنا هو سعينا الدؤوب ‏من أجل تأمين حماية دولية ‏لكم، ولن نغادر قبل وصول ‏القوات الدولية. وها هي قيد ‏التشكُّل. ونسأل الله أن ينجحوا ‏في إقامة منطقة عازلة ‏لحماية مخيماتنا وأحياء ‏حلفائنا. ثم إن كل من يحمل ‏وثيقة لبنانية من الفلسطينيين ‏سيبقى هنا أي أن أبناءكم لن ‏يغادروا‎.‎

لم يقل بالطبع إنه أخفى كمية ‏كبيرة من السلاح ربما تنفع.‏

بعد ان أكملنا الطواف على ‏متاريس وكمائن خط التّماس ‏في الضاحية الجنوبية ‏والمخيم غادرنا المنطقة ‏مستخدمين طرقًا غير تلك ‏التي أتينا منها‎.‎