بينت كان هشا

بي دي ان |

29 سبتمبر 2021 الساعة 06:54ص

الزعامة لا تصنعها المواقع الرسمية، انما الذات الشخصية، الحضور والكاريزما والقدرة على مخاطبة الاخر، مطلق آخر في الداخل ام في الخارج. كما انها (الزعامة) لا تشترى، ولا تباع في أسواق السياسة، ولا تمنحها الشعارات الكبيرة والغوغائية رصيدا، ولا تصنع لها الحملات الإعلامية الباهتة والمفتعلة أرجل واقدام، لإن مكامن القوة تختزنها الذات الفردية، وهي التي تعطي المكان والزمان والموقع الوظيفي قيمته واهميته.
في محاولة قراءة حضور نفتلي بينت على رأس حكومة التغيير الإسرائيلية، وبالعلاقة مع القيادات الإقليمية والدولية، تبين بالعين المجردة، انه مازال غضا، ولا يعدو أكثر من موظف لعبت الصدفة المحضة توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وهنا لا اناقش ان كان له ستة أعضاء او أكثر في الكنيست، لإن الزعامة لا علاقة لها بعدد المقاعد، ولا بالجعجعة، انما بالقدرة الذاتية والملاكات الخاصة، التي تسمح له تبوء مكانة الزعامة.  
ما تقدم عميق الصلة بخطاب نفتلي بينت، رئيس وزراء إسرائيل لأول مرة على منصة الأمم المتحدة مخاطبا ممثلي الوفود القليلة، التي تجرعت الحضور تزلفا او مرغمة لأسباب نعرفها جميعا. وتبين ان حضوره كان باهتا وهشا ومخيبا لحلفائه في الائتلاف الحكومي، وفي أوساط حزب الصهيونية الدينية والمجموعات المتطرفة الأخرى والمجتمع الإسرائيلي عموما.
كان خطابه فاشلا بامتياز، لماذا؟ أولا لأنه لم يتمكن من مواجهة التحدي الأبرز، والمعضلة الأهم في تاريخ دولة المشروع الصهيوني الاستعمارية، أي القضية الفلسطينية، والتي قامت الدولة المشروع ذاتها على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، ومازالت هذه القضية وشعبها عنوان الصراع الأخطر مع الدولة والمشروع الصهيوني على حد سواء. ولا يمكن لا الملف الإيراني ولا الملف الداخلي ولا التطبيع المجاني المذل لبعض العرب ينقذ إسرائيل الفاشية من ام الازمات ومقصلة التاريخ. وعدم تعرضه للقضية الفلسطينية وحل ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بكلمة واحدة ولو سهوا، ليس نتاج تجاهل، او ارتباطا بالبعد الايديولوجي الصهيوني المتطرف، انما لأنه لا يملك جوابا نهائيا، ولا حتى نصف جواب او بعض الجواب، وأيضا خشية وخوفا من التورط بنقل الخلاف الشكلي مع الإدارة الأميركية إلى العلن حول موضوع حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، هذا من جهة، وخشية وخوفا من اقرانه في الائتلاف الحكومي في حال زل لسانه بكلمة طالعة او نازلة ان يفرط عقد تحالفه، الذي تغنى به امام منصة الجمعية العامة في دورتها ال76 من جهة اخرى.
كما انه لم يستطع حتى شكر الإدارة الأميركية ورئيسها جو بايدن على ما تضمنه خطابه امام المنصة الأممية الاولى بتركه باب ترجمة خيار حل الدولتين مفتوحا، وهو ما يعني منح حكومة بينت / ليبيد ضوءً اخضرا لمواصلة الاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية العربية، وبالتالي تدمير العملية السياسية.
ثانيا أضف الى ان تركيزه على الملف النووي الإيراني كان هروبا، وشكلا من اشكال ذر الرماد في عيون المعارضة الإسرائيلية، التي يقودها الملك الفاسد نتنياهو، لدرء حملتها الإعلامية عليه، وللتأكيد ان حكومته تملك الإرادة والقرار للتصدي لهذا الملف لوحدها. وهذا لا يمت للحقيقة بصلة، لان بينت ولبيد وساعر وغانتس وليبرمان وشاكيد يسبحون بحمد الإدارة الأميركية، ولا يقوون على الخروج عن طاعتها، وهذا ما عابه عليهم زعيم الليكود أكثر من مرة، وحتى بعد القاء الخطاب المهزلة.
ثالثا كما ان تركيزه على الوضع الداخلي وائتلافه الحكومي كان مربكا ومشوشا، ليس لأنه توقف امامه، فهذا حق ومشروع ومن المنطقي تعرض رؤساء الدول والحكومات ووزراء خارجياتها لأوضاع شعوبهم ودولهم، والأزمات، التي يواجهونها. لكن بينت أراد ان يوحي، انه يقف على رأس تحالف قوي، وهو يعلم علم اليقين، ان تحالفه واقف على شعرة واحدة شفافة أكثر من ورقة السيجارة، واقل هبة هواء تطيح بها.
يعلم القاصي والداني، ان اللقاء الأول عادة يرسم ملامح ومكانة هذا الانسان او ذاك، النتيجة ان الموظف الصهيوني المتطرف سقط في الاختبار، ولم يحقق في وقوفه امام اعلى واهم منبر اممي المكانة التي يريدها، فخرج خاسرا داخل وخارج دولة إسرائيل الفاشية، وامام المولاة والمعارضة.
[email protected]
[email protected]