أبطالٌ بحجمِ الوطن.. وأحلامٌ بحجمِ الطفولة

بي دي ان |

18 سبتمبر 2021 الساعة 05:26ص

لم يكن حفر نفق الحرية الذي أقدم عليه ستة من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين والمحكوم عليهم مدى الحياة والذي يعتبر الفعل الحقيقي والأهم في الآونة الاخيرة، لم يكن فعلا عاديا على الإطلاق فمن جانب نسف هيبة "المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية" التي تتغنى بها المؤسسة العسكرية على الدوام، ومن جانب آخر أعاد قضية الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة وإعادة تدويلها بقوة رغم حضورها الدائم بشكله الروتيني والباهت أحيانا.

فعل الأسرى الستة طرق كل الأبواب؛ منها أبواب المؤسسات الدولية والاهم أنه طرق أبواب الشعوب العربية التي انشغلت مؤخرا بقضاياها وعلى وجه الخصوص ما بعد "الخريف العربي" الذي أنهك الشعوب العربية ما بين إسقاط الأنظمة والثورات الداخلية والغرق في الدماء المحرمة، فالغالبية العظمى من فضائية العالم تصدرت هذا الفعل العبقري وتناولته بدهشة وذهول مرة وبتعاطف دولي وشعبي كبير مرات أخرى، فلم يعد الحديث عن قضية الأسرى بشكل عابر يليق بهذا الحدث الجلل، وكأننا لأول مرة نقف على معاناة الأسرى وعذاباتهم.

فحين يتحدث أحدهم عن ثمرة الصبر والتين كيف تعرفت عليهم وكانت المأكل والمشرب لهم، وكيف كانت البساتين هي المأوى، ندرك حجم القسوة والحرمان والقهر الذي يعيشه أشخاص لا ذنب لهم سوا أنهم يبحثون عن أدنى حقوقهم بالحياة وهي الحرية واستنشاق هواء الوطن، والسير في أزقة الشوارع ورؤية المارة من الناس وعيون الأطفال وقمح البيادر، حقهم بحياة خالية من احتلال غاشم يحاسب المواطنين حتى على مشاعرهم الطبيعية اتجاه أوطانهم كما فعلوا مع الأسير زكريا الزبيدي. 

كم كانت مؤلمة أحلام العارضة حين اختزل هدفه في مشاهدة أمه التي لم يراها منذ أكثر من عقد من الزمان، أو أن ينام على صدرها للحظات تمحو سنين التعذيب والشبح ونوم الزنزانة الانفرادية البشعة، أبطال بحجم الوطن وأحلام بحجم الطفولة، أي عدو هذا الذي يصادر  كل شيء لهم ومنهم، لم يطرقوا الخزان وإنما طرقوا حتىٌ أجراس الكنيسة في الناصرة وحلقوا في سماء مرج بني عامر، وحلقوا مع النوارس في السماء على أمل أن تراهم قاعات العدالة الدولية.

 إن هذا الفعل الذي ينم عن نفاذ صبرهم داخل الزنازين التي صدأت مع عوامل الزمن، وهم ما زالوا قابعون بها يعدون الثوان والدقائق على أمل حدوث معجزة تلقي بهم إلى أحضان أمهاتم ذوات التجاعيد والتقاسيم بعمر الإعتقال، ستة أسرى هزوا قلوب من لا قلب له، بالتالي أوقع على عاتق الكل الفلسطيني قبل أي شعب أو نظام عربي ودولي آخر، تغيير استراتيجيتنا اتجاه تحرير الأسرى وتبييض السجون، فيجب أن يكون تحركنا يليق بألام وامال أسرانا الذين كثيراً ما يعولون على الفعل الفلسطيني ليس الشعبي فقط، بل والدبلوماسي والحقوقي والدولي، وأن نفعل ونتحرك بكل ما أوتينا من قوة وسرعة الفعل والانجاز. 

فعيون الأسرى باقية شاخصة نحونا، وقلوبهم معلقة بمدى انجازنا في قضيتهم، وغير مسموح بعد كل هذا أن يقابلوا بخيبة أمل أو أن يفقدوا الثقة بمفاعيلنا؛ فهل نحن على قدر هذه المسؤولية؟ أنا أرى أنه لا خيار لنا إلا أن نكون وما هو مطلوب فعله معلوم لدينا جميعا فهل سنكون عند حسن الظن؟ فحذاري أن نعود إلى المربع الأول وقد قطع الأسرى الستة شوطا كبيرا في رسم لوحة الحرية أمام مرأى العالم أجمع في خمسة أيام هي الأعظم في تاريخهم وتاريخ فلسطين كلها.