إحذروا خديعة ترامب

بي دي ان |

27 أكتوبر 2020 الساعة 03:25م

في تصريح دراماتيكي ملغوم، وهادف وغير بريء، لا علاقة له بالحدث الذي كان يتحدث بشأنه، اعلن الرئيس دونالد ترامب بشكل مفاجىء، ودون وجود رابط بين الموضوعين مباشرة، وقال "انه وضع خطير جدا، لإن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذة الطريقة." وتابع "سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد (النهضة أو إكس أو الألفية). قلتها واقولها بصوت عال وواضح. سيفجرون هذا السد، وعليهم ان يفعلوا شيئا." كان ذلك يوم الجمعة الماضي الموافق 23/10/2020، وهو يدشن إستسلام جمهورية السودان امام دولة الإستعمار الإسرائيلية. ولهذا التصريح الخطير أكثر من مدلول ورسالة. ولا يقتصر على "منح مصر" الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكري ضد سد النهضة الأثيوبي، انما هناك ابعاد ورسائل اخرى.

وعليه لا اريد ان اتوقف امام الإتفاقات المبرمة بين اثيوبيا، بلد المنبع وبلدان المصب مصر والسودان من 1902، و1929و 1959 وما تلاها من إتفاقات ذات صلة بالصراع على مياة نهر النيل، الذي يعتبر بمثابة الرئتين لمصر العربية، كون حياة الشعب المصري الشقيق تعتمد عليه بنسبة 97%، فهو مصدر الري والشرب والطاقة والسياحة، وبالتالي إقامة سد النهضة، الذي يعتبر السد الأكبر في افريقيا، يؤثر تاثيرا مباشرا على كمية المياة المتدفقة في نهر النيل العظيم، ويسبب إنتقاصا كبيرا من حصة مصر مما يشكل تهديدا وجوديا لها. ولا يترك مجالا للمحروسة إلآ بالدفاع عن حقوقها المتفق عليها في الإتفاقات المبرمة بين الدول الأفريقية ذات الصلة بالصراع المائي.

والملفت للنظر، ان دولة الرئيس الذي يدعو مصر لتفجير السد الأثيوبي، هي التي منحت الشركة الأميركية في 31 أذار / مارس 2011 اي بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن مشروع السد الأثيوبي، الذي دشنه رئيس الوزراء، ملس زيناوي في الثاني من نيسان/ ابريل 2011 قرضا مقداره 4,8 مليار دولار اميركي لإنشاء السد. وهو ما يطرح الف علامة سؤال على تصريح الرئيس الأميركي، ترامب. ومنها: هل ساكن البيت الأبيض حريص على مصالح مصر؟ أم انه يريد توريط مصر في متاهة الحروب كمقدمة للإنقضاض عليها وتفكيكها؟ وهل تاجر العقارات ضد السد الأثيوبي؟ وإذا كان ضده لماذا الإدارة التي سبقته منحت الشركة المنفذة للمشروع حوالي خمسة مليارات دولار؟ واليست الإدارات الأميركية المتعاقبة وبغض النظر عن خلفية الرئيس الحاكم الحزبية تلتزم بسياسات وتوجهات الدولة العميقة وغير المرئية ؟ أم ان ترامب خرج عن نص وقواعد الدولة العميقة؟ وما هي مصلحته الخاصة والدولانية من نشوب حرب بين مصر واثيوبيا؟ ولماذا فشلت الرعاية الأميركية في بلوغ إتفاق بين الدول الثلاث اثيوبيا ومصر والسودان خلال الفترة القريبة الماضية؟ الم يكن خلفية ذلك الفشل توجه اميركي مقصود، وعن سابق تصميم وإصرار لإشعال فتيل الفتنة بين الدول الثلاث؟

وبعيدا عن جادة الأسئلة، التي تحمل في طياتها اجوبة واضحة على تصريح الرئيس الأميركي المتصهين، فإن الضرورة تملي على القيادة المصرية، وخبراء الأمن القومي الإستراتيجي التدقيق كثيرا قبل إتخاذ اي خطوة غير محسوبة النتائج. لا سيما وان الهدف الأساس من الدعوة الترامبية، هو توريط مصر في مستنقع الحروب، لا سيما وانها تقف خلف كل الجبهات، التي تستهدف تمزيق وتفتيت وحدة مصر العربية لتتمكن إسرائيل بالوقوف على رأس اقليم الشروق الأوسط الكبير، ومنها جبهة التكفيرالإرهابية في سيناء وعموم مصر، وفي جبهة ليبيا، وجبهة اثيوبيا بالإضافة لجماعة الإخوان المسلمين، وبالضرورة إسرائيل الإستعمارية تقف في الخندق الأمامي مع الولايات المتحدة لتدمير جمهورية مصر العربية. بإعتبار ان تفتيتها يشكل المدخل الحقيقي والطبيعي لتمزيق واستباحة كل الوطن العربي المنهك والمثخن بالجراح.

إذا خيارات الرد المصرية على سد النهضة الأثيوبي يحتاج إلى قراءة معمقة، وبعيدة عن لغة العنتريات، والشعارات الغوغائية. كما وتملي الضرورة على القيادة المصرية عدم الإندفاع وراء تصريح ترامب، واستحضار تجربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي غرر به، عندما اعطته السفيرة الأميركية أنذاك الضوء الأخضر لإحتلال الكويت عام 1990، وكانت النتائج التي نعرفها جميعا، ونعيش اثارها الخطيرة حتى الآن وإلى ان تزول. من المؤكد امام مصر مساحة من الوقت للمناورة، وتدوير الزوايا لإبعاد شبح الحرب عن مصر وعن اثيوبيا وعن افريقيا عموما. دون ان يعني ذلك التفريط بحقوق مصر المائية والضرورية لحياة ومستقبل مصر وشعبها العظيم.

[email protected]

[email protected]