قراءة أوسع في نفق جلبوع

بي دي ان |

08 سبتمبر 2021 الساعة 07:00ص

أمس ركزت في زاوية "نسور الحرية الحمراء حلقوا" على عظمة انعكاسات الصعود البطولي التراجيدي من بطن الأرض إلى فضاء الحرية عبر نفق السجن الأكثر تحصينا وحراسة وتطورا في العالم، واستنشاق الرجال الفولاذيين الستة نسائم الحرية، عندما حلقوا صناع مجد اللحظة السياسية والامنية زكريا ومحمود ومحمد وايهم ويعقوب ومناضل (اسف سقط اسمه الأول سهوا أمس)، وفرضوا على منابر الاعلام في ربوع العالم العودة إلى محور رحى الصراع الأهم في الأرض، مع تمركز بؤرة الاخبار على فتحة النفق الأكثر اشعاعا والأخطر في حقول الصراع تاريخيا، ودفعت المئات والاف من المحللين السياسيين والإعلاميين وأجهزة امن الكون للتوقف امام عبقرية الحدث، ليس من الزاوية الأمنية فقط، انما في دلالاته السياسية.

أعاد نفق الجنرالات الستة في سجن السجون، والباستيل الأشد والأقوى والأكثر تعقيدا في المعمورة حسب وصف قادة سلطات السجون الإسرائيلية، الذين اعتبروه "إنجازا" للدولة المارقة والخارجة على القانون، أعاد مجددا تسليط الضوء على القضية الوطنية الفلسطينية. وذكر العالم وقادته واقطابه دون استثناء، ان عليهم مسؤولية سياسية وقانونية واخلاقية لإنهاء الصراع الأخطر على وجه البسيطة. لإن الشعب العربي الفلسطيني لن يتنازل عن الحد الأدنى من حقوقه السياسية، وعن استقلال وسيادة دولته على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم وفق القرار الدولي 194، والكف عن مواصلة سياسة إدارة الصراع، والهرب من الحقيقة عبر الدوران في متاهة أنصاف وارباع واثلاث الحلول الوهمية الفاقدة المنطق والشرعية والقدرة على الحياة والبقاء، مثل الحلول الاقتصادية والمؤقتة أو ما يسمى بالحكم الإداري الذاتي مع مواصلة استباحة الحقوق والمصالح والثوابت الوطنية.

والحقيقة الأخرى التي اضاءها نور النفق من تحت ركام عقود الصراع الطويلة، ان مستقبل دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية في مهب الريح مالم يعيد قادتها ونخبهم السياسية والأمنية والأيديولوجية النظر بسياساتهم واليات عملهم، وقراءتهم العلمية والمنطقية لمركبات الصراع، والإقرار والاعتراف بحقوق ومصالح الفلسطينيين في ارض وطنهم الام. والخروج من دوامة الأكاذيب والاضاليل وافتراءات الأيديولوجيا الصهيونية الرجعية الفاشية والمتناقضة مع ابسط معايير حقوق الانسان، التي لم تجلب لهم إلا المزيد من الموت والدمار، والبقاء في خنادق الحروب والعنف والجريمة والإرهاب المنظم. والاعتراف علانية ان كل مخزونهم من الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية والتقليدية والسيبرانية لا تساوي قيمة ملعقة صدأة وصغيرة، كانت أداة الصعود الفلسطيني التراجيدي إلى فضاء الحرية والنور.

كما وان معركة النفق العظيمة أكدت بما لا يدع مجالا للشك، ان سلاح الوحدة الوطنية، الذي أكده ابطال الحرية الستة، هو السلاح الامضى، والرافعة الأهم والاقوى للنضال الوطني التحرري، والمدخل الصحيح والواقعي لبلوغ اهداف الثوابت الوطنية في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة والمساواة الكاملة في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. وهو ما يتطلب من كل ابواق ومنابر التحريض والفتنة والتخريب الداخلي الكف عن التساوق مع الحملة الإسرائيلية الخبيثة ومن لف لفها، والوقوف صفا واحدا خلف القيادة الشرعية، والابتعاد عن حرب الاشاعات العقيمة والمدمرة للنسيج الوطني والاجتماعي. وليتذكر الجميع ان منتسبي الأجهزة الأمنية، هم ورفاقهم من مناضلي الحرية الدرع الحصين لحماية الوطن والمواطن، ومن يعود لتجربتهم ودورهم في حماية المناضلين والمطلوبين لسلطات وأجهزة الامن الإسرائيلية، ودفاعهم المستميت عن الشعب اثناء اجتياح شارون لمدن الضفة الفلسطينية عام 2002 وفي مختلف المعارك، يدرك هذه الحقيقة.

مع ذلك تملي الضرورة الى الحاجة لتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، وتوسيع دائرة الشراكة السياسية، والعمل على تنفيذ قرارات الهيئات المركزية على كافة المستويات، والابتعاد عن سياسة الاستقطاب والاستحواذ، والذهاب للانتخابات بمختلف مستوياتها البلدية والمجلس المحلية وعلى المستوى الوطني العام (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني) وتشكيل حكومة وحدة وطنية للتأصيل لمؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة، وتعزيز المقاومة الشعبية الرافعة الهامة والاساسية للكفاح التحرري، والقادرة على زيادة كلفة الاستعمار الصهيوني، وإبقاء القضية تحت مجهر المنابر والمراكز السياسية والإعلامية والأمنية المحلية والعربية والإقليمية والدولية.

نفق باستيل جلبوع يمكن ان يشكل نقطة تحول في مسار القضية الوطنية إذا احسنت القيادة وضع الالويات لبلوغ الأهداف الوطنية وفق قرارات الشرعية الدولية.