ثورة يوليو وسد النهضة

بي دي ان |

24 يوليو 2021 الساعة 06:58ص

هلت امس الجمعة الذكرى ال69 لثورة يوليو المصرية العظيمة، الثورة الريادية حاملة لواء التغيير في عموم المنطقة العربية، وشكلت رافعة حقيقية للثورات العربية المختلفة، وسعت القيادة المصرية آنذاك بزعامة الخالد جمال عبد الناصر لإحداث تحول نوعي في الإستقلال السياسي عن دول اوروبا الغربية الإستعمارية، والارتقاء به إلى استقلال حقيقي، وإحداث تنمية في الحقول الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التربوية، وتوسيع وتعميق العلاقات الأخوية العربية العربية المشتركة، وحتى مع دول القارة الأفريقية، ودول آسيا ودول عدم الإنحياز من القارات الثلاث: اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية.

واولت الثورة الناصرية العظيمة الأهمية لبناء مصر الحديثة، والنهوض بمكانة ودور الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية الشعبية من الفلاحين والعمال عبر الإصلاح الزراعي، وعملية التصنيع للاقتصاد المصري، حيث تم بناء العديد من المصانع والمجمعات الانتاجية وفي طليعتها مصنع الحديد والصلب، والسد العالي، الذي أحدث تحولا هاما في حياة الشعب المصري على اكثر من مستوى وصعيد، منها إنتاج الطاقة الكهربائية، وبناء بحيرة ناصر، وزيادة الإنتاج الزراعي وتشغيل الأيدي العاملة في قطاعات انتاجية جديدة، إضافة لتطوير الثقافة والفن والتربية والتعليم، وقبل ذلك تطوير الجيش المصري، وتعظيم قدراته القتالية، والإسهام المباشر في الدفاع عن بعض الثورات العربية، رغم اية ملاحظات سجلت، او يمكن ان تسجل على تلك التجربة.

هناك الكثير مما يمكن ان يدون ويكتب عن عظمة ثورة يوليو الناصرية، رغم ان القيادات، التي تولت الحكم بعد رحيل زعيم الأمة جمال حاولت الإساءة له ولتجربته الرائدة، ومازال هناك الكثير من القوى السياسية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين تسيء لقائد الثورة البطل، رغم الإقرار بوجود نواقص لازمت الثورة وسلوكياتها، غير ان هناك فرق بين النقد الموضوعي، والنقد الهدام، الذي استهدف مكانة القائد المبدع ابو خالد الوطنية والقومية والأممية. لكن تجارب الآخرين اظهرت بما لا يدع مجالا للشك، ان قائد يوليو رسخ مكانة مصر المحروسة المركزية في الوطن العربي وفي افريقيا واسيا واميركا اللاتينية وعلى المستوى العالمي الأشمل والأعم. وشكل احد اقطاب السياسة الدولية بامتياز ببراعته وحكمته وجدراته وقوة منطقه ودوره المؤثر في معظم القضايا العالمية وفي المقدمة منها قضية فلسطين، التي حملها ودافع عنها قبل ثورة يوليو وبعدها، وبقي حتى آخر نفس في حياته يدافع عن فلسطين الأرض والشعب والحرية والإستقلال، واسهم بشكل مباشر في تاسيس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، وهو الذي تبنى دعم واسناد الثورة الفلسطينية المعاصرة، واسهم وسهل في إندماج فصائل الثورة في منظمة التحرير الفلسطينية.

الآن ونحن تقف مجددا امام ذكراها المجيدة ال69 نلحظ ان مصر تواجه العديد من التحديات، التي تستهدفها، وتعمل على هدم صرحها العظيم، وتقزيم دورها الإستراتيجي في الوطن العربي والإقليم عموما، ولعل واحدة من ابرز التحديات تتمثل في بناء اثيوبيا لسد النهضة، الذي سعت من خلاله حكومة آبي احمد، رئيس الوزراء على الإنتقاص من مكانة وحصة دول المصب العربيتين الأفريقيتين مصر والسودان، التي حرصت على استخدام الطريق الديبلوماسي لحل الخلاف مع اثيوبيا، بهدف تعميق خيار المفاوضات، التي بدأت في العام 2011، ووقعت على اتفاق مبدئي معها عام 2015. لكن الحكومة الأثيوبية وبدوافع عدوانية لم تلتزم بما تم التوقيع عليه، وخرجت عن النص، وادارت الظهر لعلاقات الشراكة الإستراتيجية بين دولة المنبع ودول المصب، والتي ربطتها اتفاقيات تاريخية منذ 1902 على توزيع حصص المياة.

اضف إلى ان كل من مصر والسودان لم ترفض يوما رقي وتطور اثيوبيا، ولم ترفض حقها في بناء السد المذكور، ولكنها طالبت بالإتفاق وتعميق الإتفاقات السابقة ذات الصلة بحصص الدول الثلاث من مياة نهر النيل. ومازالت القيادة المصرية تتعامل بروح ايجابية لمعالجة أزمة سد النهضة، التي اعلن رئيس الوزراء الأثيوبي يوم الثلاثاء الماضي الموافق 20/7/2021 عن الملىء الثاني للسد.

بيد ان اللغة الديبلوماسية لا تعني التخلي عن الحقوق القومية المصرية، لا سيما وان النيل يؤمن ما نسبته 97% من مياة الشرب والري للشعب المصري، وكذلك الأمر بالنسبة للسودان الشقيق. بالتالي مطلوب من الحكومة الأثيوبية النزول عن شجرة التهديد والوعيد والحرب، والعودة لجادة المفاوضات والإقرار بحقوق دول المصب بحصصها من مياة النيل العظيم درءا لإية اخطار تهدد مصالح الدول الثلاث.

من المؤكد ان ثورة يوليو 1952 مازالت مثلها وقيمها راسخة في اوساط الشعب والنخب السياسية والأمنية المصرية، ولن تتخلى عن حقوق شعبها الوطنية والقومية وفي مقدمتها حصتها في مياة النيل.