بولندا تتمرد

بي دي ان |

04 يوليو 2021 الساعة 07:08ص

تميزت بولندا بانها صاحبة مبادرة شجاعة، وهو ما يعكس ملامح الشخصية البولندية المستقلة، والتي ترفض الإنقياد، قد تساوم وتناور لزمن، بيد انها في لحظة ما تنقلب إلى ما تريد ان تكون، وتعود لهويتها وتاريخها ومكانتها المتميزة في اوروبا كلها، وليس في اوروبا الشرقية فقط. وفي خطوة جديدة تعكس الطابع البولندي التمردي، صوت البرلمان البولندي يوم الخميس الموافق 24 حزيران / يونيو الماضي باغلبية ساحقة لصالح تعديل القوانين ذات الصلة باستعادة الممتلكات في الاراضي البولندية. وهو ما يعني رفض الاليات المعمول بها سابقا بشأن ما يسمى ممتلكات اليهود زمن الهولوكست في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي وقف كل عمليات الإبتزاز الصهيونية للدول الاوروبية من قبل منظمة التعويض اليهودية العالمية. وكانت المنظمة المذكورة صرحت، ان إقرار القانون سيجعل من المستحيل تقريبا على الناجين من الهولوكست واسرهم الطعن في القرارات المتعلقة بالممتلكات المسروقة، وستؤثر بالضرورة سلبا على 90% من مطالبات الممتلكات اليهودية. لا سيما وان القانون يرفض اية طعون بهذا الصدد.

واثار هذا القانون الجديد ازمة حادة مع حكومة إسرائيل الاستعمارية، حيث وصف يئير لبيد، وزير الخارجية القانون بانه " آثم" وادعى ان من شان إقراره توتير العلاقات بين البلدين. وحسب ما ورد في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يوم الاحد الماضي الموافق 27 /6 /2021 فإن رئيس الوزراء البولندي موراوسكي اعلن في مؤتمر صحفي بشكل قاطع وصريح، لا لبس فيه : " لا يسعني إلآ ان اقول انه في ظل وجودي في منصب رئيس الوزراء، لن تسدد بولندا قطعا ثمن الجرائم الألمانية، ولن ندفع زلوتي (العملة البولندية) ولا يورو ولا دولارا واحدا." وهو ما يعني التمرد والخروج من نفق الخنوع والتأتأة الأوروبية، والإنقلاب على منظومة العلاقات، التي كرستها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لتأمين ديمومة المشروع الصهيونية ودولته الكولونيالية على حساب النكبة الفلسطينية.

وعليه فإن بولندا بخروجها عن عصا الطاعة للولايات المتحدة والحركة الصهيونية ودولتها العنصرية الإستعمارية يشكل خطوة نوعية هامة في التحولات الجارية في اوروبا وداخل بلاد العم سام. وبخطوتها الشجاعة تعلن بولندا وحكومتها وبرلمانها ونخبها رفضهم ان يكونوا جزءا من منطق البقرة الحلوب لتغذية دولة فاشية لا تمت لليهودية بصلة، وهي خاطفة للديانة اليهودية، وتدعي تمثيل ضحايا المحرقة النازية، وإذا كانت بولندا قبلت ذلك على مدار ال 73 عاما الماضية وكذلك والعالم عموما ودول الإتحاد الأوروبي خصوصا ، فإنها ترفض الإستمرار في دوامة الإذعان والخنوع، ولن تقبل ان تعمل وفق المثل الشعبي "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس" لا بولندا نفضت الغبار عن شخصيتها القومية الأصلانية، وترفض ان تكون اسوة بباقي دول اوروبا صاغرة ومستسلمة لمشيئة مخرجات ما بعد الحرب العالمية، لإن ماثيوز موراوسكي قلب الطاولة رأسا على عقب، واعاد لبولندا مجد استقلالها.

وكان وزير الخارجية البولندي اعلن في تصريح له، أن "بولندا ليست مسؤولة بأي حال من الأحوال عن المحرقة، تلك الاعمال الوحشية، التي ارتكبها المستعمر الألماني." وأضاف قائلا، ان قتل المواطنين البولنديين من اتباع الديانة اليهودية،اسوة بالمواطنين البولنديين الذين قتلوا من اتباع الديانة المسيحية ومن اصحاب المعتقدات الاخرى، وبالتالي الجريمة والوحشية النازية لم تقتصر على اتباع الديانة اليهودية. وهو اراد بذلك التأكيد، ان البولنديين من اتباع الديانات المختلفة خضعوا لذات المجازر والوحشية الألمانية الهتلرية.

ومن الجدير بالذكر ان الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين ومسؤولين اميركيين كانوا ايضا أعربوا عن معارضتهم للقانون البولندي الجديد، كما سيتم التنسيق فيما بينهم لثني الحكومة البولندية عن مواصلة سياساتها الجديدة. لكن اعتقد ان القطار البولندي لن يتوقف عن محطات ذات صلة بدفع اموال الجزية غير المشروعة، والهادفة لسرقة اموال دافع الضرائب البولندي لصالح دولة فاسقة ومجرمة ومنتجة للارهاب، ومعادية للسلام، فضلا عن انها لا تمت بصلة لليهود، الذين دفعوا حياتهم ثمنا في الهولوكست النازي.

الخطوة البولندية الجديدة تمثل نقطة ضوء كبيرة لإيقاظ اوروبا من سباتها وإستسلامها لمشيئة الصهيونية ودولتها الإستعمارية، وحافز كبير لكل الدول للإنقلاب على 73 عاما من الخضوع لمشيئة قوى مارقة، ليست معنية بسلامة ومستقبل اتباع الديانة اليهودية. وعليه فإن قادم الأيام والمستقبل المنظور يحمل في ثناياه آفاقا نحو مزيد من التحول الإيجابي على طريق بولندا الشجاعة وحكومتها وبرلمانها ونخبها.