رصد التحولات – تنبئ بانفراج دولي وإقليمي

بي دي ان |

16 يونيو 2021 الساعة 12:46ص

يقال بالعادة ” أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ” ،الا أن ما يجري  في هذه الفترة عكس ذلك، فالتصعيد الذي تشهده البؤر الساخنة إقليمياً ودولياً، هو على ما يبدو مقدمه لتهدئة وانفراج محتمل، وشيك الحدوث.

 ذلك أن ملفات كثيرة هي اليوم في طريقها إلى التبريد..حد الإغلاق ،وفق حلول توافقية  بين أطراف متشابكة معقدة بملفات دولية وإقليمية سياسية – أمنية عالقة منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. وأن على رأس تلك الملفات السعي نحو عودة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والتي تبدو وشيكة، حيث يوضعُ الان الفصل الأخير بالمباحثات التي تشهدها “فينا” في النمسا بين الأطراف الدولية  5+1 وإيران.

واشنطن وطهران أصحاب مصلحة حقيقية في إنهاء هذا الملف على نحو إيجابي، مرضي لكليهما، و بتشجيع ومساندة من بقية الأطراف الدولية التي ترى في إعادة العمل بهذا الاتفاق، آفاقاً اقتصادية كبرى منتظرة بعد رفع ”الفيتو الأميركي” عن التعاون مع إيران، وما يترتب عليه من عقوبات .

واعتقد أن الأتفاق الأميركي الإيراني وأن تم، سوف يدفع قُدما الجهود المبذولة لوقف الحرب في اليمن وحفز الأطراف اليمنية على رسم صيغة تشاركية يعيد لليمن وحدته الجغرافية والديموغرافية، ذلك أن الحديث في إمكانية حل الموضوع اليمني دون اشراك إيران، هو حديث منقوص.

إن النشاط الدبلوماسي السعودي الذي شهدناه مؤخراً، إنما يصب في هذا الاتجاه وفي اتجاهات ايجابية أخرى ايضاً، والتعامل مع ملفات طالما كانت معلقة وبلا أفق لزحزحة،  وقد بدأ ذلك بالمبادرة السعودية لأنهاء الحرب في اليمن، بالتوازي مع لقاءات سعودية إيرانية برعاية بغداد ، والتي كانت متوقفة منذ أمد بعيد، وهي تبدلات مهمة في المفاهيم والتوجهات تتساوق مع تحركات الإدارة الأميركية الجديدة والتي تمثلت باعتبار أنهاء الحرب في اليمن أولوية أمريكية وتعيين مبعوث خاص يقود الآن الجهود السلمية لوقف الحرب.

و في ذات الأتجاه فأن الأتصال السعودي مع الحكومة السورية على الصعيدين الأمني والاقتصادي ،هي مقدمةٌ لعلاقاتٍ طبيعيةٍ بين البلدين، بدأت بزيارة مدير المخابرات السعودي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، وكذلك بدعوة وزير السياحة السوري لزيارة السعودية، مؤشرات على أن علاقاتهما تأخد منحىً ايجابياً جديداً، يدفع بعودة سوريا إلى الجامعة العربية من جهة، والعمل مع بقية الأطراف العربية والإقليمية والدولية لإغلاق الملف السوري، وفق رؤية لا تستثني وجود المعارضة السورية “السلمية” كطرف في صياغة مستقبل سوريا ما بعد الحرب .

وعلى جانب آخر فأن ما يجعلنا نتفائل بقرب إنهاء الموضوع السوري وأستكمال الخطوات التي قطعتها الأطراف الليبية نحو وقف الحرب وضمان وحدة ليبيا وبناء نظام تشاركي وانسحاب القوات الأجنبية منها، بدء تواصل مصر مع كل من تركيا وقطر،  مع معرفتنا بالدور الكبير لهذه الدول في القضيتين الليبية والسورية.

أن الموضوع المزمن الأبرز  والأعقد والأهم عربياً وإقليمياً ودولياً هو الموضوع الفلسطيني،  فإن من المؤكد أن إخفاق العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وعلى القدس دون تحقيق أهدافه العسكرية والأمنية والسياسية بفضل المقاومة والصمودٍ الفلسطيني الذي قل نظيره، و الذي أوضح بصورة جلية وحدة المشروع الوطني الفلسطيني وأهدافه الواحدة في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس وفي الداخل، هي متغيرات أعادت للقضية الفلسطينية مكانتها في الاهتمام الدولي والعربي، بل وكانت من نتائجها المباشرة أن قفزت القضية الفلسطينية كأولوية مطروحة على الإدارة الأميركية والتي توافقت مع ضغط أميركي داخلي دعماً للشعب الفلسطيني وحقوقه المسلوبة، تجلى ذلك في منصات الحزب الديمقراطي الحاكم والكونغرس، وكذلك التحركات النشطة لمنظمات مجتمع مدني أميركي كبيرة وفعالة مثل حركة ”BLACK LIFE MATTER “، ومؤسسات تمثل الجالية الأميركية اللاتينية وحتى منظمات يهودية عديدة جميعها تطالب بأعادة التوازن للسياسة الأميركية ووقف الانحياز السافر  والدعم المطلق لإسرائيل وروايتها .

و قد تجلى ذلك بأن قام أكبر موقع قضائي في ولاية جورجيا الأمريكية بإلغاء قرار سابق يتيح لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية أن تباع في أسواق تلك الولاية.

هذا دون أن نسقط من الحسابات تلك الهبة التي انتابت عواصم أوروبا والعالمين العربي والإسلامي دعماً للحق الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان و سياسة  "الأبرتهايد” العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب العربي الفلسطيني .

إن مجمل تلك المتغيرات لابد وأن تكون محط اهتمام  لقاء القمة المنتظر بين الرئيسين  بايدن وبوتين ، والذي سوف يمثل الخطوة الأهم على طريق التهدئة والحل لأكثر البؤر الساخنة في العالم ، و على رأسها بالتأكيد القضايا التي تهمنا في سوريا و ليبيا و اليمن. وعلى جانب آخر فأن التصعيد الأميركي مع الصين ذو الطبيعة الأقتصادية البحتة لابد أن يكون مادة للبحث في المستقبل القريب .

وبعد /  فأن الأسئلة المطروحة علينا نحن كعرب :

 ـ هل سنبقى في حالة تشتت وتشرذم !؟  نطلق خطابات معلبة دون فائدة ترتجى و دون تنسيق فعلي !؟

 ـ ونقول ألم يحن الوقت الى أتخاذ مواقف واضحة تجاه قضايانا الكبرى والمبادرة إلى حلها في إطار الحوطة العربية ! ؟

 ـ  ألم يحن أن نتحرك كعرب معاً نحو سوريا و نعيد لهذا البلد العربي الهام السلام والأمن ووحدة أراضيه وشعبه و عودة لاجئي و نازحيه الى بيوتهم و سحب القوات الأجنبية و طرد قوى التطرف والإرهاب منه، و صياغة رؤية توافقية بين الحكومة والمعارضة “السلمية” لبناء سوريا الحديثة و إعادة إعمار ما دمرته حرب الأيام الطويلة!؟

 ـ  ألم يحن الوقت لأن يبادر العرب نحو يمنهم “السعيد” بمبادرة تجمع أطراف المعادلة اليمنية وفق برنامج يعيد لليمن السلام و يحافظ على وحدة ترابه وشعبه !؟

ويبقى موضوعنا الأهم، هو الموضوع الفلسطيني، والذي يمكن للعرب اليوم أن يبنوا على الأنجاز الفلسطيني الكبير الذي تحقق مؤخراً، وتوظيف قدراتهم السياسية والأقتصادية، ليس الى الوصول الى هدنة طويلة كما يقال ، بل إلى إنهاء الصراع وفق المبادرة العربية بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، والتي تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين المتفق عليه دولياً .

و من جهة أخرى ، فأنني أعتقد جازماً بأن الانفتاح على أطراف المعادلة الفلسطينية، والسعي إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني هي أمور في غاية الأهمية، ذلك أننا لن نستطيع أن نبلور موقفاً عربياً إن لم تكن كل الأطراف الفلسطينية حاضرة و موافقة على هذا الموقف ، و لنتذكر بأن أوروبا قد أفصحت أمس الأول أنها على وشك الدخول بمباحثات مع حركة حماس،  و لنتذكر بأن طالبان التي دخلت في حرب ضروس طويلة مع الولايات المتحدة لحوالي عقدين من الزمن ، تجلس اليوم مع الأميركيين على طاولة واحدة في قطر، ففي السياسة لا يوجد خطوط محرمة.

لذا أحرى بنا أن نبدأ كعرب للملمة صفوفنا والتخلص من المواقف المسبقة تجاه بعضنا البعض .

 والله ومصلحة العرب من وراء القصد

وزير اردني سابق