دحض نظرية خاطئة

بي دي ان |

10 يونيو 2021 الساعة 07:02ص

يسود في الاوساط السياسية الفلسطينية وحتى في بعض اوساط عربية ودولية، مقولة نظرية فكرية سياسية خاطئة، مفادها، ان اليمين الصهيوني المتطرف، هو الأقدر على صنع السلام. واخذ العديد من النخب السياسية الترويج لمنطقه في المنابر المختلفة على إعتبار أن مقولته باتت مسلمة، وحقيقة راسخة، ليس هذا فحسب، انما أخذ في السعي لفتح حوار سياسي مع نخب صهيونية يمينية من مختلف الأحزاب في محاولة لكسر الغيتو الأيديولوجي والإعلامي الصهيوني، وفتح اذانهم على الصوت والرؤية الفلسطينية السلمية لإزاحة التابوهات والمسلمات اليقينية في الرؤية الصهيونية المتطرفة والمعادية للسلام، والرافضة لمبدأ الحوار والتفاوض مع الشعب الفلسطيني وقياداته المؤمنة بخيار السلام، وتقريب المسافات السسياسية بعيدا عن الأيديولوجيا وحتى عن التاريخ.
والنقطة الأخيرة تعتبر الحلقة المركزية عند اية مجموعة صهيونية تنخرط في الحوار مع اية مجموعة فلسطينية، لإنهم يخشون التاريخ، ولا يقبلون القسمة عليه. رغم الخطاب الديماغوجي الغوغائي، الذي ينهلون منهم، ويرددنه كالببغاوات كل صباح مساء للدفاع عن روايتهم المزورة والكاذبة. بيد ان الغالبية منهم تدرك في حقيقة نفسها، انها تتلطى وراء خطاب وهمي، لا اساس له من الصحة. لا سيما وانهم يعيشون في كنف شعب اصيل، كل معلم من معالم البلاد من البحر إلى النهر  التاريخية والحضارية والعمرانية والثقافية يؤكد ان فلسطين أرض الشعب العربي الفلسطيني، ولم تكن يوما لغيرهم. وما الحديث عن ممالكهم قبل الفين او اكثر من الأعوام، ان كان وجودها صحيحا، إلآ لذر الرماد في العيون، لإنها اولا ممالك صغيرة جدا، ثانيا لم تترك اثرا واحدا في فلسطين، مع ان علماء الآثار الإسرائيليين نبشوا الأرض الفلسطينية شبرا شبرا، ولم يجدوا دليلا واحدا على تلك الممالك. حاول نتنياهو وزمرته سرقة احجار تاريخية من سور المسجد الأقصى وغيرها من الآثار التاريخية الفلسطينية ليفبركها لاحقا باعتبارها "آثارا من تلك الممالك"، التي لم تعمر طويلا، كما هو حال المملكة الثالثة الحالية، التي لن تعمر، ولن تقوَ على البقاء لمجموعة من العوامل تاريخية واجتماعية وثقافية ودينية وكفاحية.
المهم ان كل المجموعات الصهيونية تأتي وتذهب للحوار بعقول مغلقة، او مكلفة امنيا، بعضهم يحاول ان يجامل محاوريهم، لكن اي من تلك المجموعات لم يرق لمستوى الإقتناع بخيار السلام، باستثناء مجموعات صغيرة جدا وغير مرئية من اليسار او قريبة من اليسار. وهي غير مؤثرة، ليس هذا فحسب، بل انها منبوذة ومضطهدة، ومرفوضة من الشارع الإسرائيلي عموما، وليس من المؤسسة الرسمية الصهيونية في الموالاة والمعارضة فقط. رغم ان المحاورين الفلسطينيين عادة يكونون مرنين، ومنفتحين على الأفكار والرؤى كافة، ويناقشوا بروية وعقلانية، لكنهم يصطدموا بمتاهات الإيدولوجيا، والنزوع العنصري الاستعلائي الإستعماري الصهيوني.
النتيجة المنطقية لإي متابع للحوار مع المجموعات والنخب الصهيونية تؤكد، ان قوى اليمين بكل تلاوينه من اقصاه لإقصاه لا تقبل القسمة على السلام من حيث المبدأ، ولا تريد السلام، وليست مستعدة لدفع ثمنه، وهو ثمن بالمحصلة من الجيب الفلسطيني التاريخي، من رصيده، ومن وطنه الأم، ومن روايته وحقوقه وثوابته. ومع ذلك لا يقبل أي صهيوني مسؤول الإقدام على توقيع إتفاق سلام. قد يوافقوا داخل الغرف المغلقة على بعض الأفكار. لكن في ملفات تتعلق بالقدس وبالعودة وبالحدود والأمن والمستعمرات تتعطل لغة الحوار، ويبدأ الإجترار، والعك والعجن دون طائل، ويأخوذن الفلسطينيين إلى متاهات التفاصيل، ويهربون من العناوين الرئيسية، ويغطوا الشمس بغربال. وبالتالي هناك فرق بين الحوار والتفاوض لمجرد الحوار، وبين صناعة السلام. بتعبير ادق اليمين الصهيوني بكل مكوناته واطيافه لا يمكن ان يصنع السلام، ولن يكون قادرا لا بالمعنى الشخصي، ولا الايديولوجي، ولا بالخشية من الصهيوني الآخر على دفع فاتورة السلام، وما لم يهزم الصهيوني او يصبح مشروعه الاستعماري في مهب الريح لن يقبل السلام.
السلام يريد إيمان وقناعة مبدأية بفكرة السلام والتعايش، السلام يحتاج إلى إرادة وقوة وتخلي عن الأيديولوجيا، والذهاب للمصالح، والمصالح لا يصنعها إلآ العوامل الأتية: اولا القوة الفلسطينية على الأرض؛ ثانيا قناعة الصهيوني انه لا ملاذ له إلا عبر بناء جسور السلام، وأن مصيره على كف عفريت، بمعنى ادق، رفع كلفة الإستعمار الصهيوني، الذي لا يأتي من بوابة الحوار، انما من بوابات الكفاح، التي ترغم العدو لطلب الحوار، والإستعداد لدفع استحقاقات السلام؛ ثالثا عبر فرض الإرادة الدولية على دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية، التي مازالت حتى الآن تراوح مكانك عد، ولم ترق منذ 1948 لمستوى بناء السلام، وتأمين الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني في اقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المحتلطة.
[email protected]
[email protected]