جنوب افريقيا وفلسطين "نضال مشترك"

بي دي ان |

12 مارس 2023 الساعة 07:42م

الكاتب
هكذا عنون كتابي الذي صدر بالعام 2021م، في دار فنون للطباعة والنشر والتوزيع، بالقاهرة، والذي يعتبر الطبعة الثانية مـن تلك السلسة " شؤون أفريقية" التي أميل للكتابة بها بتتبع مستجدات الشؤون الأفريقية المستمرة كما هـو واضح في هـذه القارة.

مقدمة الكتاب:

الحمد لله الذي وهب لنا من العقل ما نميز به بين النجدين، فنتبع ما أراد لنا من الخير أن نتبع، ونتجنب ما أراد لنا من الشر أن نتجنب. وتحقيقا لغاية وجود الانسان في الأرض، وتواصلا مع منهج الخير والعلاقات بين الفرد والجماعات، وبين الجماعات والمجتمعات، جاء هذا العمل المتواضع، الذي ما هو الا عبارة عن وصل ما انقطع، واتمام لما انتقص من العلاقات الدولية الذي قدمه علماؤنا وأساتذتنا في تعريف السياسة الخارجية للوحدة الدولية، وعلاقاتها بالدول الأخرى والمجتمع الدولي، لقد أضحي النظام الدولي اليوم على المستوى الجيوسياسي – في نظر صاموئيل هنثنغتون- مؤسسا على نظام هجين ومركب بشكل غريب في الأنماط التقليدية للتفاعلات الدولية – أي الأحادية والثنائية والتعددية القطبية - لم تعـد تجسد واقع السياسة الدولية، حيث أصبحت بنية النظام الدولي قائمة على أساس نظام أحادي - متعدد الأقطاب Système thni- multipolaire يتسم بوجود قوة عظمى منفردة هي الولايات المتحدة، تتفاعل مع مجموعة من القوى الرئيسة، وإذا نظرنا إلى القوى الفاعلة في النظام الدولي الراهن، وبسبب غياب الجانب الإيديولوجي المضاد، وبسبب كون العديد من هذه القوى تدين بذات الإيديولوجية التي تحملها الولايات المتحدة، وجدنا أنها قوى متصارعة أكثر من كونها قوى متحالفة، صحيح أننا لا نستطيع نكران وجود خلافات فيما بينها، إلا أن هذه الخلافات ذات طبيعة تنافسية يصعب وصفها بأنها خلافات إيديولوجية أو مذهبية - عقائدية ذات طبيعة تصارعيه، وبالتالي فإن ما تتميز به قواعد إدارة العلاقات بين هذه القوى هي سمة التنافس وليس الصراع، فالعلاقات الدولية هي علاقات تبحث التفاعل بين الدول أو الشعوب من ناحية والدول من ناحية أخرى،  وأيضا تبحث التفاعل الدولي في كل المستويات سواء كانت  شعبية أو دولية سياسية كانت أم اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو عسكرية، وفي معظم الأحيان يرجع تاريخ العلاقات الدولية إلى أنه تفاعل عسكري اقتصادي سياسي كما حدث خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية أكثر من غيره، ولكنها أيضا قد تشمل السياسات الخارجية، فالعلاقات الدولية قائمة سواء أردنا أم لم نرد ودون حدود، ولا شك أن هنالك عدة أسباب لنشوء العلاقات الدولية، فقد تكون بدواعي التجارة وتبادل المنافع والسلع بصورة عامة إلى أن قاد ذلك إلى عامل جديد وهو الأطماع التي قادت بدورها إلى الغزوات والحروب، لكنها عموماً مرت بالعديد من المراحل وشهدت الكثير من التطورات اعتباراً من مؤتمر وستفاليا في عام 1648م وتشكيل الدولة القومية مروراً بالإمبراطوريات وصولاً إلى فترة عصبة الأمم وما واجهته من صعوبات أدت إلى قيام الأمم المتحدة في محاولة لتعديلها. كما شهد العالم صراعات وتوازنات في القوى أنتجت مفاهيم مختلفة، ولعل من أهم ما نتج من هذا الصراع الحرب الباردة التي شكلت مقاييس في السياسة الدولية، وبانحسارها ساد مفهوم الأحادية القطبية، وكل ذلك شكل علاقات مفصلية في العلاقات الدولية، لذا تعتبر قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وفى القلب منها قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واحدة من بين القضايا التي يتحدد - وفقا لها - نوع العلاقة ومستقبلها بين المجتمع الدولي ودول الشرق الأوسط والدول الإفريقية التي عانت من الاستعمار، ففي ضوء هذه القضية تتحدد العلاقة بين فلسطين والدول المساندة لها معنويا وماديا، وهنا سوف نحدد العلاقة بين الدولة الافريقية الفاعلة" جمهورية جنوب افريقيا "، وفى ضوئها أيضا تتحدد طبيعة وأنماط التفاعلات والمواقف المحلية والإقليمية والدولية لها. فبعد أن شهدت جمهورية جنوب إفريقيا تغييرا جذريا بالواقع السياسي لها عام 1994م، حيث وصلت الأغلبية المتمثلة بالسكان الأصليين إلى مقاليد الحكم عبر نضال خاضوه وطال عقوداً من الزمن، وأصبحت هذه الأغلبية تحكم وتتحكم في مصير جنوب إفريقيا، تغيرت السياسة الخارجية لجمهورية جنوب إفريقيا تغيرا جذريا فأصبحت من أنصار المستضعفين والمستعمرين في الأرض، وظهر هذا جليا في موقف جمهورية جنوب إفريقيا بفترة حكم نيلسون منديلا ومن تبعه من حكام لجنوب إفريقيا، وكانت هذه النظرة واضحة تجاه القضية الفلسطينية والتي تعد آخر احتلال على الأرض حتى هذه اللحظة والتي استوحت الدراسة العلمية تجاه هذا التغير محاولا  في هذا الكتاب  بلورة القضايا والمتغيرات التي تساعدنا على فهم التحولات والتبادلات في المواقف الإفريقية بشكل عام وجنوب إفريقيا بشكل خاص من القضية الفلسطينية، وبذلك فإن الإشكالية التي تحاول الدراسة معالجتها هي "ماهي العلاقات بين جمهورية جنوب أفريقيا وفلسطين المحتلة"  ومدى انعكاسها على القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وتتبع مسارات هذه المواقف من جهة ثانية، إن القضية الفلسطينية وصراعها مع الاحتلال الصهيوني وما يعانيه الشعب العربي الفلسطيني داخل أراضيه المحتلة وخارجها تكاد تكون معاناة مماثلة لما مر به شعب جنوب إفريقيا من معاناة استيطان وتمييز وفصل عنصري وإبادة جماعية، فهناك عامل مشترك بين القضيتين وبين ممارسات المحتل لكلتا الدولتين برغم اختلاف المحتل، القضية متشابهة لما عاناه الشعبين من إبارتهيد ضدهما، لذلك نرى أن العلاقة بينهما مميزة وقوية نظرا لوحدة الحال والمعاناة الواحدة، وقد ناصرت جمهورية جنوب إفريقيا القضية الفلسطينية، متمثلة بمواقف الزعيم الأممي الراحل نيلسون منديلا من الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية والتي اتضح منها الدعم الكامل للفلسطينيين، ومن الواضح أن جنوب افريقيا كانت تأخذ دور المناصر وأصبحت تأخذ دور الملتزم تجاه القضية الفلسطينية، وبات هذا واضحا نتيجة التأييد والدعم للقرارات الأخيرة والتطورات التي حظيت بها القضية الفلسطينية مثل : حصول فلسطين على مقعد مراقب بالأمم المتحدة، ووضع قانونية الاستيطان الإسرائيلي ووضع القدس والدولة الفلسطينية المستقبلية وما شابه من مساندة ودعم، بالإضافة لعقد اتفاقية التشاور والعمل المشترك، واستقبال رؤساء ووزراء، واستقبال شخصيات وعقد مؤتمرات، فمجمل القول إن أوجه التشابه والنضال بين البلدين و زعمائها (منديلا - عرفات) ومن بعدهما من رؤساء وحكام ولدت هناك علاقات ثورية ودبلوماسية مشتركة وتعاونا دوليا كبيرا، فهذا الكتاب يحاول أن يسلط الضوء على طبيعة العلاقة والمواقف وما مرت به من فترات نضالية ثورية مشتركة عبر مراحله المختلفة، ودخول السياسة الإسرائيلية وتغلغلها في إفريقيا وتأثير علاقة الأخيرة بموقف جنوب إفريقيا من القضية الفلسطينية، جاء هذا الكتاب  ليسلط الضوء على السياسة الخارجية لجمهورية جنوب افريقيا تجاه فلسطين ، وتأثير تلك السياسة في دعم اقامة الدولة الفلسطينية، وطبيعة ومستقبل العلاقة بين البلدين وتأثيرهما وتأثرهما فيما بينهما على مجرى الصراع في المنطقة، ومن خلال فصول هذا الكتاب أوضح الموقف العام لجمهورية جنوب إفريقيا من القضية الفلسطينية من خلال دعمها الدبلوماسي والسياسي الواضح لفلسطين، ونحاول أن تلقى الضوء على علاقات جمهورية جنوب إفريقيا مع فلسطين، وأهميتها في التحرك السياسي والدبلوماسي نتيجة المتغيرات الإقليمية والدولية في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة مع إنهاء حالة القطبين وصعود حالة القطب الواحد، والتحالفات شبة الدولية كالدول الصاعدة روسيا والصين وتركيا وايران اليوم.
الأهمية:
تكمن أهمية الكتاب في كونه يبحث في طبيعة العلاقات الدولية عبر تحليل السياسة الخارجية لجمهورية جنوب افريقيا تجاه المسألة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، فيما يمكن أن يشكله من إضافة لتفسير المواقف والعلاقات بينهما، وتأثير هذه العلاقات في دعــم وتعــزيز موقف القضية الفلسطينية أمام العالم الخارجي، خاصة بعد التحولات السياسية في جمهورية جنوب إفريقيا منذ عام 1994م حتى الآن. كما تكمن أهمية الكتاب في النقاط التالية:
1- أنه يدرس علاقة دولة من أكثر الدول الإفريقية دعما للقضية الفلسطينية، ومن أبرز الدول الفاعلة افريقيا بالقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، باعتبار أن هناك تشابهاً تاريخيا ونضاليا بين حالتي الشعب الفلسطيني وشعب جنوب إفريقيا من اضطهاد وتمييز عنصري والاستيطان وتصاريح المرور والفترة التاريخية الواحدة بين الاحتلال وسياسة نظام الابارتهيد1948م.
2- أنه يشكل رافدا أساسيا لفهم وتحليل السياسية الخارجية لجمهورية جنوب إفريقيا وارتباطها بالقضية الفلسطينية، ومدى تأثير هذا الكتاب على طلبة الجامعات في التخصصات المهتمة بالعلاقات الدولية شئون إفريقية وإلى دور العلم والمكتبات الجامعية والعامة وإلى صانعي القرار والمحللين السياسيين والمهتمين بشئون القضية الفلسطينية وجمهورية جنوب إفريقيا.
3- يعد الكتاب استكمالا لدراسات سابقة نادرة تناولت سياسة جنوب إفريقيا تجاه القضية الفلسطينية، وما لهذه القارة من أهمية لدى الدبلوماسية الفلسطينية، لاسيما انها موضوعا حيويا ومهما للقضية الفلسطينية ومؤسساتها السياسية والدولية.
الأهداف:
1- يكمن الهدف الرئيس من وراء اجراء هذا الكتاب اكتشاف طبيعة النضال المشترك بين البلدين، ومستقبل العلاقات بين جمهورية جنوب افريقيا وفلسطين.
2- يهدف الكتاب الى "تحليل السياسة الخارجية" لدولة من أكثر الدول الأفريقية دعما للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية وأكثرها التزاما بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
3- انه يعد محاولة للكشف عن أشكال وسبل العلاقات بين جمهورية جنوب افريقيا وفلسطين، منذ حركات التحرر الوطني وطبيعة العلاقة بينهما، واكتشاف سلوك وقرارات سياسية لتلك الدولة تجاه اقامة الدولة الفلسطينية ما بعد الحكم الذاتي الفلسطيني.
4- التعرف على مستقبل العلاقات بين جمهورية جنوب أفريقيا وفلسطين، وفقا للمتغيرات والتطورات التي طرأت على المستوى الإقليمي العربي والشرق أوسطي، من نزاعات واخفاقات، وتحالفات، وكوارث، وانعكاسها على مستقبل القضية الفلسطينية.


وانتهي هذا الكتاب المتواضع الذي اضعه بين ايديكم بالخلاصة التالية:
- تسعى جنوب إفريقيا إلى بناء علاقات منفتحة مع جميع الدول، لاسيما دول القارة منها، فيما تحاول أن تستفيد من زخم تجربتها إبان حرب التحرير، من خلال إظهار دورها السياسي في العلاقات الدولية كرمز من رموز الحرية بما يعكس قيم العدل والمساواة بين البشر. 
- تسعى جنوب إفريقيا لإثبات أنها الدولة الأولى على مستوى القارة الإفريقية، وذلك من خلال اقتصادها القوى، وعلاقاتها الدولية الواسعة والمتشعبة، ومشاركتها في العديد من التجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية بالإضافة إلى تجربتها الرائدة في المصالحة الوطنية التي قل مثيلها في العالم، ونظامها الديمقراطي الراسخ الذي يعزز من دورها في القارة والعالم.
- تعـد جنوب إفريقيا أكبر اقتصاد إفريقي، وهي الدولة الإفريقية الوحيدة العضو في المجموعة العشرين للدول صاحبة الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، ويحسب لها أنها قد صمدت أمام الهزة الناتجة عن الأزمة المالية العالمية إلى ما بعد تأثير عدة دول كبرى، عام 2009.
- لا بد من القول: إن جنوب إفريقيا كجمهورية يحكمها نظام سياسي ينطلق في حكمه على الأشياء من تاريخه وتجربته النضالية وعموم ما جرى، تلتزم جنوب إفريقيا بفلسطين من باب التزامها بثوابت واستخلاص تجربتها وحفاظها للعهود التاريخية التي جمعت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) مع قادة الحركة الوطنية التحررية في جنوب إفريقيا، فيما تتربع فلسطين أيضا على صدارة موقع متقدم في السياسة الخارجية لبريتوريا انطلاقا من مركـز قضيتها في منطقة الشرق الأوسط التي تغرى جنوب إفريقيا لأن تكون فيها حاضرة أسوة بالدول الكبرى ذات المصالح المتشابكة في منطقة الشرق الأوسط، ويتميز موقف جمهورية جنوب إفريقيا من فلسطين بالثبات على ما يلى:
- التأكيد على الثوابت الفلسطينية المحددة فلسطينيا والاستمرار في دعمها.
- دعم التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل.
- حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
- ضرورة التوصل لحل دولتين عبر قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. وعاصمتها القدس الشرقية.
- م.  ت. ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بالداخل والخارج.
- توجيه حكومة جنوب إفريقيا لممثليتها في بعثات السلك الدبلوماسي المتعدد كمجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان بالتصويت لصالح فلسطين في أية قضية مطروحة.