روسيا والخاصرة الإسرائيلية الضعيفة

بي دي ان |

27 يوليو 2022 الساعة 12:04ص

في خضم الصراع الدولي الدائر في جبهات عدة سياسية وديبلوماسية وعسكرية واقتصادية مالية وثقافية بين الأقطاب الدولية المختلفة لاعادة تشكل النظام السياسي العالمي الجديد وفق موازين القوى الحالية نتاج تراجع واضمحلال نظام القطب الأميركي الأوحد، ومع تآكل مكانة القارة الأوروبية العجوز على اكثر من مستوى وصعيد، وصعود القطبين الصيني والروسي إلى مستويات منافسة، ومع تنامي دور دول البريكس عالميا، ولجوء الدول الأخرى الاقل تأثيرا في المعادلة الدولية للتموضع في مقاعدها الخلفية مع حلفائها من الأقطاب المتصارعة، ومن بينها الدولة الوظيفية الاستعمارية الإسرائيلية، التي انشأها الغرب الرأسمالي، وشكل الحاضنة الأساسية لها، ودعمها ومازال يدعمها بكل مقومات البقاء، هذه الدولة أعلنت دون مواربة وقوفها إلى جانب حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة وانصارها في الغرب ضد روسيا الاتحادية، وهذا ما صرح به صراحة يئير لبيد، حين كان وزيرا للخارجية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا في شهر اذار / مارس الماضي. رغم انها (إسرائيل) حاولت المناورة، وادعاء الحيادية، حين قام نفتالي بينت رئيس الوزراء السابق بزيارة موسكو أيضا في ذات الشهر من العام الحالي للعب دور الوسيط. لكن سرعان ما انفضحت خلفيات الموقف الإسرائيلي، الهادف لتأمين هجرة اليهود الروس والاوكرانيين لإسرائيل، وهذا ليس  خافيا على رجل الكرملين الأول، وضابط المخابرات السوفياتية السابق (كي جي بيه).
في ضوء هذا التطور، ومع تصاعد عمليات الفرز في أوساط دول العالم وانزياحاتها باتجاه مصالحها، لم تتوانى الدول المنخرطة في الصراع للتقرير في شكل ومحتوى النظام العالمي الجديد من توجيه صفعات محسوبة لدول الأطراف، وهو ما قامت به روسيا الاتحادية مؤخرا عندما طلبت وزارة العدل الروسية يوم الخميس الموافق 14 تموز / يوليو الحالي تصفية الفرع الروسي للوكالة اليهودية "سوحنوت" المعنية بقضايا الهجرة إلى إسرائيل، وفي يوم الجمعة الموافق 15 تموز الحالي رفعت وزارة العدل لمحكمة "باسماني" الجزائية في موسكو دعوى لحل الفرع الروسي. وقالت الوزارة ان "الوكالة انتهكت القانون الروسي عبر أنشطتها. وسيتم النظر في الدعوى مبدئيا في يوم الخميس الموافق 28 تموز / يوليو الحالي.الامر وفق ما ذكر الموقع الاليكتروني للمحكمة المذكورة.
وللعلم الوكالة اليهودية تأسست عام 1929 لاكثر من مهمة، من ابرزها مهمة أساسية عنوانها استقطاب اليهود من اصقاع العالم بعد تضليلهم وترغيبهم بفكرة "ارض الميعاد"، او من خلال عصا الإرهاب، الذي استخدمته لارغام الاف منهم للهجرة إلى ارض فلسطين العربية لاقامة ما وعد به وزير الخارجية البريطاني بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 بإقامة "الوطن القومي لليهود"، والذي تم تبنيه ودعمه امميا من قبل عصبة الأمم في 24 /7/1922، ثم ورثته هيئة الأمم المتحدة وطبقته عبر قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947. واخذت بالعمل في الاتحاد السوفييتي قبل انهياره في العام 1989، ولعبت دورا مركزيا في تهجير ما يزيد على المليون روسي مع غروب شمس الاتحاد السوفييتي وتفككه مطلع تسعينات القرن الماضي.
الموقف الروسي الجديد والمحسوب، استهدف الخاصرة الإسرائيلية الضعيفة، ولم يقطع الخيوط والجسور مع الدولة الكولونيالية الإسرائيلية، لا بل ابقاها، لكن اركان إدارة بوتين شاءت قرص الاذن الإسرائيلية، وتنبيهها إلى إمكانية توسيع وتعميق العقوبات عليها على اكثر من مستوى وصعيد. الامر الذي اثار ردود فعل إسرائيلية بدءا من لبيد، رئيس الوزراء الحالي، الذي قرر ارسال وفد لموسكو، لكن الدب الروسي اغلق الباب امامه، ورفض استقباله، وهو ما يعني ان بلاد القيصر ستمضي في دحرجة سياساتها العقابية ضد إسرائيل الناكرة للجميل الروسي التاريخي واللاحق.
المهم توالت ردود الفعل الإسرائيلية من بينها ما اعلنه وزير الشتات الإسرائيلي، نحمان شاي في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي، ان محاولة معاقبة الوكالة اليهودية على موقف إسرائيل من الحرب الروسية على أوكرانيا "امر مثير للشفقة". وفي ومحاولة للتخفيف من اثار الصفعة الروسية، ذكر موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان فرع الوكالة اليهودية في موسكو (كان) يفكر بتعليق عمله بنفسه. وأضاف الموقع ان وزارة العدل الروسية بررت قرارها بقيام الوكالة بمخالفات للقانون الروسي دون إعطاء أي تفسيرات." وعادت الصحيفة الاسرائيلية ذاتها في يوم الخميس الموافق 21 تموز / يوليو الحالي تناقض نفسها بنفسها، عندما كتبت تقول بعدما حددت "المحكمة في موسكو جلسة حول هذه القضية في 28 تموز / يوليو (غدا)، إذا أغلقت مكاتب الوكالة في روسيا بالفعل، فهذه ضربة قاسية موجهة ضد الهجرة من روسيا (لاحظوا التناقض في الخطاب الإعلامي السياسي الإسرائيلي) تمثل الازمة الحالية ذروة جديدة في التوترات بين تل ابيب وموسكو، بسبب الموقف المتشدد من لابيد ضد تصرفات الروس في الحرب بأوكرانيا ووقوفه الى جانب الغرب." وأضافت "يديعوت احرونوت" "تشير التقديرات في إسرائيل الى ان القرار الروسي سياسي، ويأتي كنوع من الانتقام الروسي."
وامس الثلاثاء الموافق 26 تموز / يوليو الحالي طالب الرئيس الإسرائيلي هيرتسوغ من كافة المسؤولين والمراقبين الإسرائيليين عندم الادلاء باية مواقف علنية حول القضية، تفاديا لاية مضاعفات قد تنجم عن القيصر الروسي، وأيضا للتخفيف من حدة التوتر، وفي محاولة للمحافظة على حبل الود قائما بين البلدين.
في كل الأحوال الخطوة الروسية تشكل تطورا إيجابيا، وخطوة متقدمة في سياق انفكاك العلاقات البينية بين إسرائيل المارقة وروسيا الاتحادية، رغم ان المحكمة ستبدأ غدا الخميس النظر بدعوى وزارة العدل الروسية، الا اني اعتقد ان روسيا لن تتراجع عن الخطوة التي أعلنتها الوزارة، وستمضي قدما في منع الوكالة من العمل في أراضيها، وهذا انتصار جزئي فلسطيني، مطلوب المراكمة عليه.
[email protected]
[email protected]