الدولة بعيدة المنال

بي دي ان |

15 يوليو 2022 الساعة 11:54م

التقى امس الجمعة الموافق 15 تموز / يوليو الحالي الرئيسان الفلسطيني والأميركي في مقر الرئاسة في مدينة بيت لحم، وبعد اجتماع دام لخمسين دقيقة، وخلوة ثنائية قصيرة ادلى كل منهما بكلمة امام الصحفيين، تضمنت مواقف كل منهما من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت المسافات كبيرة بين الموقفين، رغم وجود قاسم مشترك في نقطتين، الأولى التأكيد على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ الثانية ضرورة محاكمة قتلة الشهيدة ايقونة فلسطين والقدس شيرين أبو عاقلة، غير ذلك كان البون شاسعا.
حملت كلمة الرئيس محمود عباس الموقف الفلسطيني بوضوح، واسمع الرئيس الأميركي الضيف ما كان سمعه سابقا، واعاده مجددا على مسامعه. وتساءل أبو مازن الم يحن إقامة الدولة الفلسطينية بعد 74 عاما؟ وطالب بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من ارض دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967 بشكل كامل، وحل ملفات الصراع المؤجلة: القدس واللاجئين والاستيطان الاستعماري، والحدود والامن والأسرى. واكد على وقف الإرهاب والتطهير العرقي، والابرتهايد والاستيطان الاستعماري والقتل اليومي والاعتقال والهدم والتخريب والاعتداءات على مصالح أبناء الشعب في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية أحادية الجانب جميعها. كما وطالب مباشرة بوفاء الإدارة الأميركية بتعهداتها، ومنها: فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، العاصمة الفلسطينية، ورفع اسم منظمة التحرير من قوائم الإرهاب، وفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، بالإضافة لمحاكمة قتلة الصحفية شيرين أبو عاقلة.
مع ان كلمة الرئيس جو بايدن جاءت متقاربة مع ما اكد عليه الرئيس عباس في هدف حل الدولتين على حدود ال1967، الا انها كانت فضفاضة وبعيدة في تفاصيلها عن الجوهر، أولا رغم انه اكد على حل الدولتين، لكنه ارفقها بخبر بعد المنال، وان تحقيق هذا الهدف صعب ومعقد، ومرهون باتفاق الأطراف. وكأنه أراد القول قيامها (الدولة الفلسطينية) يرتكز على موافقة دولة الاستعمار الإسرائيلية، وهذا الامر ليس موجودا على جدول اعمال اية حكومة إسرائيلية لا الحكومة الحالية، ولا الحكومة القادمة، وليس معروفا متى يكون هناك صانع قرار وشريك إسرائيلي يملك شجاعة صناعة السلام والتعايش على أساس خيار حل الدولتين؛ ثانيا لم يرد على أي مطلب من التي ذكرها رئيس منظمة التحرير؛ ثالثا ملف القدس تركه فضفاضا ودون تحديد، وقال ان "القدس تهم الجميع، وهي لكل ساكنيها." وهذا النص لا يستقيم حتى مع ما يستخدمه الاتحاد الأوروبي وغيره من الأقطاب الدولية "القدس عاصمة لدولتين"، ويتساوق في هذا الملف مع الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية ببقاء "القدس" عاصمة لدولة المشروع الصهيوني؛ رابعا الشيء المقبول بشأن الأماكن المقدس، تأكيده على المحافظة على الاستاتيكو القائم، والمحافظة على الدور الأردني فيها؛ خامسا ركز الرئيس الأميركي على الحل الاقتصادي، وتحدث عما قدمه من مساعدات مالية للمستشفيات ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا. وهو يعلم حقيقة الموقف الفلسطيني الرافض لكل الحلول الترقيعية والمؤقتة وتحسين ظروف المعيشة. لان مشكلة الشعب العربي الفلسطيني تكمن في تحرره وانعتاقه من ربقة الاستعمار الصهيوني؛ سادسا اكد على مواصلة العمل لبلوغ حل الدولتين، مع ان الرئيس عباس قال له بالفم الملآن، ان لم تقم الدولة الفلسطينية الآن، سيكون من الصعب لاحقا اقامتها. لان الشروط ستكون اكثر تعقيدا.
وكان يفترض صدور بيان مشترك عن اللقاء، الا ان ممثلي الفريقين الفلسطيني والأميركي فشلا في الاتفاق على صيغة البيان، لان الممثلين الاميركيين رفضوا الإقرار بان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، كما شاؤوا ان يبقوا حدود الدولة الفلسطينية غير محددة المعالم. مع ان  ما ورد على لسان الرئيس بايدن في كلمته امام الصحفيين، كانت واضحة عندما اكد على حدود الدولتين عام1967. وحتى إدارتي الرئيسين السابقتين، إدارة أوباما التي شغل فيها بايدن نائبا للرئيس، وإدارة جورج بوش الابن اكدت كلاهما على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. وهو ما يشير الى ان هناك ضبابية في موقف إدارة بايدن الحالية تجاه مسألة الحدود النهائية، وهو ما يدفع للاعتقاد، بان الاميركيين يريدون استخدام مقولة تبادل الأراضي المحدود كعنوان لتمييع مسألة الحدود لاحقا.
النتيجة المؤكدة من الزيارة الرئاسية الأميركية، انها أبقت امر الحل السياسي اكثر غموضا وضبابية والتباسا في اكثر من ملف وعنوان، وخاصة مسألة الدولة المستقلة وذات السيادة، التي اكد عليها الرئيس بايدن نفسه في كلمته. وهو ما يملي على القيادة الفلسطينية العودة لمقررات المجلسين الوطني والمركزي لتأخذ طريقها للنور والترجمة العملية. لان سياسة الرشوة الاقتصادية والتسهيلات على المعابر وغيرها من التفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع. فإما ان تتحرر أراضي الدولة الفلسطينية الان، وتتجسد عملية الاستقلال التام والناجز، او العمل على ترجمة القرارات الوطنية، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني، وتصعيد المقاومة الشعبية، والانفكاك من كل الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل، وإلغاء الاعتراف بها. دون ذلك ستكون الأوضاع اكثر تعقيدا في الساحة الوطنية.