الإصلاح بين الضرورة ورفض الاملاء

بي دي ان |

25 نوفمبر 2025 الساعة 12:11ص

الكاتب
الإصلاح العام في مجالات الحياة المختلفة، هو عملية تطوير وتحديث لواقع مؤسساتي واجتماعي واقتصادي، وإحداث نقلة إيجابية نوعية في البناء الهيكلي، لرفع سوية الإنتاج في العمل والعلاقات البينية بين المؤسسات لتعزيز التكامل والتشبيك فيما بينها وبين مصالح المجتمع، وتطهير مكامن الخلل والفساد كافة وفق المعايير واليات العمل والقوانين الناظمة، مع إخضاع تلك القوانين للمراجعة والتدقيق والتطوير، كي يستقيم هدف الإصلاح.
وهناك فرق بين مفهومي الثورة والإصلاح، حيث يقوم المفهوم الأول على التغيير الجذري لواقع النظام السياسي، واستبداله بنظام وقوانين مختلفة جذريا، في حين يقتصر المفهوم الثاني على إصلاح ذات النظام، بهدف تطويره وترشيده والنهوض به في المجالات السياسية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والثقافية وتعزيز العملية الديمقراطية والمساءلة والنزاهة والشفافية، ونفي السلوكيات البائدة والفاسدة والادران من المجتمع، وترسيخ أسس قيمية واجتماعية، وتكريس العدالة والمساواة، ورفع مكانة المرأة في المجتمع، ومحاربة الفقر والفاقة ليتوافق مع المصالح الحيوية والضرورية للمجتمع، وبما يلبي المصالح العليا للشعب.
وفي الحالة الفلسطينية عملية الإصلاح تتطلب دوما حماية الموروث الحضاري الوطني، والدفاع عن السردية والاهداف والثوابت الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية المزورة والمتناقضة مع حقائق التاريخ والجيوسياسية، وصون مكانة الرموز الوطنية وخاصة الشهداء وأسرى الحرية، وعدم اسقاط حقهم وحق أسرهم وذويهم تحت أية ضغوط من أي جهة كانت في الحياة الكريمة. والإصلاح في المجتمع والنظام السياسي الفلسطيني هو ضرورة ماسة للاستنهاض الدائم لكل ما هو إيجابي في القطاعات المختلفة من الشعب، ونفي واسقاط العوامل السلبية والمهددة لوحدة النظام والمجتمع، وتطوير المنهاج التربوي في مختلف مناحي العلم والمعرفة في توافق مع متطلبات العصر الحديث. لكن لا يجوز في هذا المضمار التخلي عن السردية الفلسطينية، ولا عن الحقوق السياسية والقانونية والثقافية الوطنية.
لأن ما ينادي به الغرب الامبريالي ودولة إسرائيل اللقيطة يتعاكس مع المصالح الوطنية، ولهذا يمارسون الضغط المتزايد على القيادة الفلسطينية لنزع كل ملمح من ملامح الوطنية الفلسطينية، وتجريد القضية والشعب من سرديتها وحقائق التاريخ المؤكدة لتلك الحقوق والمصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني، وتقويض ركائزها الأساسية، وتغيير معالمها وهويتها الوطنية، وبالمقابل تسييد الرواية الصهيونية، حيث لم تقم أي دولة أو مؤسسة غربية بمطالبة الدولة الإسرائيلية القائمة بالاستعمار بتغيير أي كلمة من منهاجها التربوية القائمة على العنصرية والتطهير العرقي، وتصفية القضية الفلسطينية من جذورها، فضلا عن جرائم حربها متعددة الأوجه الاستعمارية، حيث يتفشى الاستيطان الاستعماري كالسرطان في الأرض الفلسطينية، وتتعمق عمليات القتل والابادة والتهجير القسري وتدمير المخيمات في محافظات الضفة، ومطاردة أبناء الشعب في العاصمة الفلسطينية القدس الشرقية بعمليات القهر والقوانين العنصرية في مجالات الحياة كافة، وإقامة الحواجز والقرصنة على أموال الشعب، وجميع هذه الجرائم والانتهاكات والفظائع يعلن عنها جهارا دون خشية من المجتمع الدولي. لأنها خارج نطاق المساءلة من المجتمع الدولي، ليس هذا فحسب، بل أن المحاكم الدولية يجري مطاردة قضاتها وفرض العقوبات عليهم من قبل الهيئات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية الأميركية، كونها فرضت عقوبات على الدولة الإسرائيلية وقياداتها وفق معايير القانون الدولي الانساني، ويعود السبب لهذه البلطجة كونها مغطاة بالحماية والمساندة والمشاركة من قبل دول الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا.
إذا الإصلاح الفلسطيني في مجالات الحياة كافة ضرورة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإعلامية وتربوية، ولكن دون الحياد عن ثوابت ومصالح الشعب الفلسطيني، ولا يجوز الخضوع لأي عملية ابتزاز غربية أو إقليمية مهما كانت، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، ليس منّة من أحد، فهذه الحقوق كفلها القانون الدولي، والحق التاريخي والحضاري للشعب في أرض وطنه الام، واستقلال دولته الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واجب على المجتمع الدولي دعمها وفرضها على اسرائيل استنادا الى الفصل السابع من نظام هيئة الأمم المتحدة.، ومطلوب من الاشقاء العرب دعم واسناد هذه المصالح والحقوق، لأنها مصلحة عربية أيضا، وتخدم الأمن القومي العربي، ويجب دعم مخرجات مؤتمر نيويورك الدولي لدعم خيار حل الدولتين بقيادة فرنسا والعربية السعودية، لأنها تستقيم مع القانون الدولي، وتشكل رافعة لتعزيز الأمن والسلم العالميين.
[email protected]
[email protected]