نبضٌ من تحت الركام..
"آية شمعة" الشاهد والراوي لجريمة إبادة من جرائم الاحتلال في شمال غزة
بي دي ان |
28 يوليو 2024 الساعة 05:59م

غزة - خاص بي دي ان - لينا راضي
جرائمٌ دموية، وشهاداتٌ حية، مرعبةٌ بتفاصيلها، ومع صمت ِالعالم أجمع تسقط هذه التفاصيل، لكن دون أن تتلاشى من رؤوس الشهود، وتُعَدُّ هذه التفاصيل واحدةً من أبرزِ المواقف الشاهدة على مدى إجرام الجيش الإسرائيلي وهمجيته، وبربريته بحق سكان قطاع غزة.
لا أمل لنهاية وشيكة..
ودخلت الحرب الإسرائيلية شهرها العاشر بلا أمل أو مؤشرات تلوح في الأفق على نهاية وشيكة لهذا الاجرام الدامي والمكلف على كل الصعد الإنسانية والمادية.
عشرات الآلاف من الفلسطينيين قُتلوا، وأضعاف أضعاف هذا العدد اضطروا للنزوح من بيوتهم ومناطقهم إلى مراكز إيواء شمال القطاع أو إلى جنوبه.
تفاصيل أحداثٍ بين الصمود والموت..
فهذه الأستاذة الصحفية آية وليد شمعة، هي أم لثلاثة أبناء" اليمان وناصر وريان"، من سكان شمال غزة، تروي، تفاصيلَ أحداثٍ عاشتها بين الصمود والموت،قائلةً :"لم تكن قصتنا على شدة بؤسها فريدة من نوعها، وكوني صحفية وعملت لأكثر من مرة باعداد كتب توثيقية حول الحروب السابقة على القطاع، فقد قرأتها مرات عدة دون أن أشعر للحظة واحدة بأنها قصتي، وكأن كل واحد فينا يشعر بلا وعي بأن الحياة لسبب ما ستوفر عليه خوض تلك التجارب، وكأنها تحدث للآخرين دوننا، ربما لأن العقل يرفض حدوثها لشدة ما فيها من أهوال".
وتضيف شمعة، :"في تلك الليلة من يوم ١٥/١/٢٠٢٤ كنت وشقيقاتي الأربعة نفترش الأرض وسط صغارنا النائمين بغرفة تقع منتصف المنزل، لجأنا لها ظنًا منا أنها الأكثر أمناً كونها قد تكون بعيدة عن مرمى قذائف الدبابات، كنت أنا وبجانبي أبنائي الثلاثة اليمان وناصر والرضيع ريَان الذي أنجبته في الهدنة المؤقتة وكان عمره حينذاك (٥١ يوماً فقط) ومقابلي شقيقاتي، وعلى خلاف كل الأيام السابقة أصرت شقيقتي الشهيدة راما أن نبقى مستيقظين بعد أن أعدت لنا كأساً من النسكافيه، وجلسنا نتسامر حتى تعالت ضحكاتنا كما لم نفعل طوال فترة الحرب."
وتتابع آية بحسرة شديدة:"ثانية واحدة كانت الفاصل بين حياتين، ثانية واحدة اخترقت الزمان لتجعلنا نقف مذهولين لهول ما يحدث، لا أذكر سوى أنني كنت أنظر بعيون شقيقتي الشهيدة راما وأنا أحدثها، ثم أغمضت عيني على وقع ضوء أحمر اخترق الغرفة ثم توالت الأصوات لأفتح عيني وأجد نفسي في قبر يضمني من كل الجهات، والرمل والحجارة تملأ وجهي وفمي".
وتكمل والدموع تنهمر من عينيها:" بتلك اللحظة لم أفكر سوى أنني في طور الموت فرحت أردد الشهادتين وأطلب من الله أن يتقبلني وعائلتي التي ظننت بأنها كلها قد سبقتني إلى الموت، لم أصرخ حينها ولم أخف إلا قليلاً فقد شعرت بسكينة عجيبة أنزلها الله على قلبي برحمته، وفي تلك اللحظات سمعت فجأة صوت صغيري ناصر (٦ سنوات) وهو الوحيد الذي تبقى من أبنائي على قيد الحياة يبكي ويصرخ ويحاول أن يشد أطراف أصابعي التي لم يكن يشاهد مني سواها، فقد سقطت في الطابق الأسفل وفوقي سقف الغرفة وناصر يجلس فوقه تظلله قطعة من الأثاث، رحت أنادي على صغيري محاولة مني لتهدأته وطمأنته أنني بخير، حتى سمع أخي والجيران صوته بعد نصف ساعة فأخرجوه ودلهم هو على مكاني".
نبضٌ من تحت الركام..
ومن تحت الركام خرجت آية بمعجزة إلهية بعد أن بدأت تختنق وفي اللحظة التي ملأت فيها الرمال الحفرة شعرت بيد تحفر الرمل وتستقر على فمها وأنفها وهم يقولون حافظوا على نفسها، خرجت لتتوالي على قلبها بعدها الصدمات. وتوضح أية أن القصف الإسرائيلي حدث بعد الاجتياح البري لحي التفاح، مؤكدة أن منزل عائلتها الذي تعرض للقصف الهمجي يقع على حدود الحي.
وعلاوة على ذلك، نزحت العائلة وأية من منزلهم عدة مرات، وفي أخرها تعرض المنزل لقصف بقذائف الدبابات، فعاودوا النزوح إلى حي الصبرة" غرب مدينة غزة"، وعندما عادوا للمنزل بعد انتهاء الدخول البري تعرضوا للقصف مرة أخرى من الطائرات الحربية بعد سبعة أيام، بصاروخين اخترقا أساسات المنزل.
وعن مصابها الجلل، تتحدث آية :" وجراء القصف فقدت شقيقتاي ربا وراما، ثم علمت بالقاسمة الكبرى وهي رحيل طفلي البكر اليمان (٧ أعوام) ضحكة بيتي وروحه" وبفعل الانفجار الشديد الناتج عن الاستهداف الصاروخي، تذكر أية أن رضيعها رَيَان سقط من الغرفة الى بيت الجيران.
وتُشير إلى أن رَيَان الجميل نام في حضن والدته آية ليلة كاملة وهو جثة هامدة باردة، لففته والدته في قطعة ثياب كانت ترتديها لشدة برودة جسده الصغير، جالسين ١٢ ساعة كأنها ليالي وشهور بانتظار الاسعاف لينقلهم للمشفى.
واللافت أيضاً، أن رَيَان نادر سليمان وُلد أثناء فترة الهدنة المؤقتة خلال الحرب، واستشهد بتاريخ 15 يناير 2024، حيث تم إصدار شهادة وفاته قبل صدور شهادة ميلاده.
راما وقطعة الكاجو..
وتردف آية :"أما راما الصغيرة فبقيت ١٢ ساعة تحت الأنقاض لصعوبة انتشالها من تحت عامود سقط فوق رأسها، خرجت راما من تحت الأنقاض باليوم التالي ليجد المسعفون بفمها قطعة من "الكاجو" لم تمهلها الحياة فرصة ابتلاعها ليخرجوها من فمها ملطخة بالدم"
وتشير آية إلى أنه مضى نصف عام على تلك الليلة الدامية وفقدانها أطفالها وشقيقاتها لافتةً أنها مازالت ترى تفاصيلها وكأنها تحصل للتو، وكأنها حلمٌ تنتظر أن نستفيق منه يومًا ما.
وتُعّدْ آية واحدةٌ من آلالاف الذين شهدوا على جرائم مارستها إسرائيل في حرب إبادتها الجماعية على قطاع غزة .
ومنذ السابع من أكتوبر /2023، يشنّ الاحتلال الإسرائيلي على القطاع حرباً بربرية، خلّفت مايقارب 39794 شهيداً، 70% منهم نساءا ًوأطفال، فيما أصيب أصيب أكثر من 89364 شخصاً.
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)