طي صفحة فاغنر

بي دي ان |

26 يونيو 2023 الساعة 11:41م

الكاتب
ظاهرة يفغيني بريغوجين الروسية ليست الأولى، ولم تكن استثناءً، وليست محصورة بروسيا الاتحادية، فكل دول العالم تنتج أدوات خاصة بها غير رسمية، او تعتمد على أدوات اجنبية صديقة تحت يافطة الصداقة او التحالف على أساس فكري أيديولوجي او عقائدي او نفعي. والظاهرة ليست حديثة في الدول، بل هي ملازمة لنشوء وتطور الدولة بغض النظر عن طبيعة النظام ملكي ام رئاسي، برلماني ام ديكتاتوري، اشتراكي ام رأسمالي، ومن يعود لتجربة نابليون يجد انه اعتمد على عصابات من حثالة المجتمع في القرن الثامن عشر في مواجهة خصومه، وفي اميركا الشمالية كماً كبيرا من العصابات او الميليشيات في الولايات المختلفة، ولديها أسلحة ودبابات ومدافع وذخائر ومعسكرات علنية. وما حدث من تمرد للعصابات العنصرية التابعة الرئيس الأميركي السابق، ترامب ضد مجلس النواب في السادس من كانون ثاني / يناير 2020 كان جزءا من الظاهرة العالمية.
وحدث ولا حرج عن باقي الأنظمة مثلا ايران وأحزاب الله المنتشرة في الدول العربية والاسلامية، والنظام الاردوغاني وامتداداته من فروع جماعة الاخوان المسلمين.. الخ. وبالتالي ظاهرة برغوجين خريج السجون وقاطع الطريق القاتل، ثم طباخ الرئيس بوتين بعد توليه الحكم، ثم انتقل من دور الطباخ، الى دور رئيس عصابة "فاغنر"، والتي بدأت كشركة خاصة لتأجير مرتزقة في الداخل الروسي والخارج الإقليمي والدولي، وذاع صيتها في سوريا وليبيا ومالي وغيرها من الدول الافريقية، وكانت تعمل بشكل رسمي، وبموافقة القيادة الروسية، وبدعم خاص من الرئيس بوتين. اذا هي ليست فريدة من نوعها، وانما هي جزء من ظاهرة عالمية، وستبقى باشكال ومسميات أخرى.  
لكن ما فات رجل الكرملين القوي، ان هذه المجموعات العصابية، أولا لا يمكن الركون لها ابدا، ولا مجال للخلط بين العلاقات الشخصية ومصير الامن القومي والبلاد؛ ثانيا لا يمكن الوثوق بها، ومنحها الثقة الزائدة؛ ثالثا ضرورة إخضاعها بشكل دائم للرقابة؛ رابعا حصرها في اضيق نطاق، وعدم توسيع دائرة سيطرتها داخل او خارج البلاد؛ خامسا مراقبة عمليات تمويلها، واتصالاتها، ومواقفها المعلنة وغير المعلنة؛ سادسا تحديد سقف ونوعية أسلحتها وتسليحها.
وعليه فإن ما حصل يوم السبت الموافق 17 حزيران / يونيو الحالي من تمرد من قبل مجموعة فاغنر بقيادة بريغوجين لم يكن وليد اللحظة، وانما سبقته مجموعة احداث ذات صلة بالتمرد، انعكس هذا في العديد من المواقف والتصريحات المعلنة لرئيس العصابة الروسية، وفي الاستنكاف عن المشاركة في العمليات القتالية، والتحريض المعلن على الجيش وقدراته العسكرية، وبث الإحباط والتشويه للروح المعنوية في أوساط القوات المسلحة والشعب على حد سواء، والتشهير والتحريض على شخص بوتين نفسه، حيث وضع بريغوجين نفسه على قدم المساواة معه، مما اساء لمكانة الرجل، وأثر سلبا على هيبة ودور روسيا الاتحادية، وترك ندوبا سوداء على مستقبل المواجهة مع الغرب الرأسمالي.
وهنا لا تستقيم عملية التقزيم لحجم مجموعات فاغنر، او الاستخفاف بما كان يمكن ان تفعله في حال خرج الوضع عن السيطرة، ولم تعالج عملية التمرد بالشكالة التي حدثت مع تدخل الرئيس البيلاروسي، الكسندر لوكاشنكو، وتم سحب صاعق الانفجار من القنبلة استنادا الى الاتفاق بينه وبين الرئيس بوتين، ونقاطه الثلاث أولا مغادرة بوغوجين روسيا الى مينسك؛ ثانيا اسقاط القضية الجنائية عنه؛ ثالثا عودة مجموعات فاغنر الى معسكراتها، والجزء الذي لا يريد العودة لمقاراته يوقع اتفاقا مع وزارة الدفاع للبقاء في الميدان.
بالمحصلة اجزم، ان رجل الكرملين القوي، تمكن بحنكة وبمساعدة لوكاشينكو على طي صفحة فاغنر وبوغوجين، واعتقد ان القيادة الروسية استفادت من الحدث على اكثر من مستوى وصعيد: أولا كشفت أعداء الخارج والداخل غير الظاهرين؛ ثانيا علمت القيادة الروسية عموما والرئيس بوتين شخصيا ووزارة الدفاع والأجهزة الأمنية دروسا هامة جدا؛ ثالثا كشفت عن نقاط الضعف في الداخل الروسي، والتي تحتاج الى إعادة نظر، ومعالجة الثغرات والنواقص، وتعزيز الجبهة الداخلية؛ رابعا أظهرت الحاجة الى إصلاحات جدية في المؤسسة الأمنية.
ورغم انها أفادت برغوجين شخصيا بإزالة اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية، الا ان المتمرد المغرور وضع اسمه على قوائم إرهاب أخرى، رغم المساومة التي جرت، وبالنتيجة انهى حياته العسكرية والسياسية مرة والى الابد.
[email protected]
[email protected]