الدور العربي

بي دي ان |

14 فبراير 2023 الساعة 01:26م

الكاتب
بعد أن أصبح من البديهي التحدث عن فلسطين على حدود 1967، وبعد أن أصبح التحرير الذي طالما حلمنا به، وهو تحرير الوطن من النهر إلى البحر، بالأحلام، وذلك في ظل اعتراف الأمم المتحدة بدولة الكيان الصهيوني، بعد ما يقارب خمسة أشهر من حرب ال 1948، وفرضها أمراً واقعاً، حيث أصبحت فلسطين المحتلة التي يعترف بها الشقيق قبل الغريب هي فقط ما احتل عام 1967، والمتمثل بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وغزة، على الرغم من أنّ جميع  دول العالم تعرف بأنّ هناك انحياز كبير للكيان الغاصب، وأنّ ليس له أيّ حق في أيّ شبر من فلسطين، إنقسم الفلسطينيون إلى قسمين، منهم من قبل بالأمر الواقع، وهو أنّ دولة الكيان معترف بها دولياً، واقتنع أو تمّ إقناعه بأنّ علينا أن نرضى فقط بالأراضي التي احتلت عام 67 لنقيم عليها دولتنا المستقلة، ومنهم من لا يعترف بالأمر الواقع حتى اللحظة، ويطالب بتحرير فلسطين كل فلسطين، من النهر إلى البحر.
وفي ظل الضغوطات التي تعرّض لها الفلسطينيون على جميع الأصعدة، وتشتّتهم بعد خروجهم من لبنان في عدة دول، بعد إغلاق جميع الحدود مع الوطن المحتل أمامهم من قبل جميع الدول الحدودية، أصبح الكفاح المسلح الذي كنا ننطلق منه من الدول الحدودية مع فلسطين أمراً مستحيلاً، وبالتالي كان لا بد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التحرك في مسار المفاوضات والسلام، آملة في أن تحقّق لنا إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ضمن حدود 67.
ولا يمكن القول إنّ الكفاح المسلح لم يجد نفعاً، بل يمكن لنا القول بأنه لم يحرّر لنا فلسطين، وإنّ تلك العمليات العسكرية والكمائن والحروب، التي ذهب ضحيتها شهداء وأسرى وجرحى منذ بداية الثورة الفلسطينية المعاصرة، كان لها دوراً كبيراً، بل كانت الأساس في إيلام الاحتلال الإسرائيلي وتكبده خسائرجسيمة، وجعله يعيش حالة من الرعب والأرق والقلق والترقب، وهذا بحد ذاته إنجاز. كما أنّ نتائج الكفاح المسلح كانت تراكمية، صحيح أنها لم تحقّق لنا ما كنا نصبو إليه، وهو تحرير فلسطين كاملة، ولكن ما حقّقه من إنجاز، مهّد الطريق لإجبار العدو الصهيوني على قبول الدخول بمفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، بصورة غير مباشرة بداية، وانتهى الأمر بقبولهم بالأمر الواقع والتفاوض المباشر معها، فأتت أوسلو بحسناتها ومساوئها، بمؤيديها ومعارضيها، وكان هناك نقلة نوعية للثورة الفلسطينية في انتقال القيادة والكوادر إلى داخل الوطن، معتقدين أنّ النضال سيكون أسهل وأكثر فاعلية من على أرض الوطن، منه في الخارج، ولكن لم يخطر بالبال أنّ إسرائيل كانت تعد لنا كميناً، يتمثل باختصار بعدم الإلتزام بأيّ من الاتفاقيات الموقعة، بل على العكس، بدأت تصعيد تثبيت وجودها على الأرض، بعد أن تمّكنت اقتصادياً وأمنياً، وضاعفت من وتيرة الاستيطان، بحيث أصبح حلم إقامة الدولة المنشودة صعب التحقيق حتى على الأراضي التي احتلت في عام 67، وهذا ما سمح لها بممارسة عهرها بحرية على الشعب الفلسطيني وقيادته.
ما حصل هو أنّ القيادة الفلسطينية أصبحت على قناعة تامّة الآن بأنّ إسرائيل لا تريد السلام، بل تريد السيطرة على الفلسطينيين أمنياً واقتصادياً، كما أنّ توسع خارطة الاستيطان التي رسمتها دولة الكيان عزّزت من هذه القناعة، حيث أنها تشكّل عائقاً أمام إقامة الدولة الفلسطينية، وأكثر من ذلك، هناك من يطالب من أعضاء حكومة نتنياهو المتطرفة بضم الضفة الغربية، وذلك على الرغم من العقبات التي تحول دون ذلك، والتي تتلخص بأنّ الضم سيخلق العديد من المشاكل لإسرائيل من نواحي لوجستية وأمنية وغيرها.
وعودة إلى المطالبين بفلسطين من النهر إلى البحر، أقول بأنّ هذا حلم كل فلسطيني، وهذا ما يريده الجميع بما فيها القيادة، ولكن كيف يمكن أن نحقّق ذلك في ظل الخذلان العربي، وفي ظل الدعم اللامحدود الذي تتلقاه إسرائيل من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، وفي ظل القدرات العسكرية المتفوقة التي تملكها؟ لو افترضنا أننا اتفقنا جميعاً على هذا الخيار، ما هي خطتنا؟ وما هو الحد الزمني لتحقيق ذلك؟ وما هي الوسائل التي سنقاتل بها؟ من سيدعمنا عسكرياً لمواجهة دولة الكيان بعتادها المتفوق؟ وكيف سنطبق التحرير على الأرض من ناحية واقعية؟ هذه أسئلة منطقية ومشروعة وبرسم الإجابة لكل من يعارض القيادة الحالية بالاستراتيجية التي تتبعها، وأقترح إن كان لدى أحد خطة واقعية ومنطقية وقابلة للتطبيق، أن يقدّمها للقيادة الفلسطينية لتبحثها وتأخذها كخيار، ومن ليس لديه خطة يقدّمها، عليه أن يقبل بالأمر الواقع، عالأقل في هذه الظروف وفي هذا الوقت، حتى تتغير المعادلة، ويصبح ذلك ممكناً من جميع النواحي.
إنّ مقولة جمال عبد الناصر التي أتى بها وردّدها الكثيرون وهي: خذ وطالب، هي ما اعتمدت عليه القيادة الفلسطينية المخذولة والمخدوعة من قبل كيان لا يعرف معنى الإلتزام والصدق والإرادة الدولية، كيان متمرد متغطرس مجرم، والغاية عنده تبرّر الوسيلة، وله أطماع لا تنتهي، وتتعدّى حدود فلسطين.
إنّ وجود القيادة الحكيمة للشعب الفلسطيني، أدركت ما هو ممكن وما هو غير ممكن، ما هو واقعي وما هو غير واقعي، وارتأت بعد تنصّل إسرائيل من الاتفاقيات المبرمة، أن تستخدم جميع الوسائل الشرعية لإحقاق الحق الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية، وأن تصّعد سياسياً ودبلوماسياً وقضائياً، حيث كثّفت من جهودها في كشف زيف وكذب دولة الاحتلال، وفضح ممارساتها العنصرية وجرائمها تجاه الشعب الفلسطيني، والمطالبة بمعاقبة هذا الكيان، فلجأت إلى محكمة الجنايات الدولية فيما يتعلق بجرائم الاحتلال اليومية ضد الشعب الفلسطيني على اختلاف أشكالها، كما لجأت إلى محكمة العدل الدولية، وطلبت رأياً استشارياً وفتوى حول ماهية الاحتلال وشرعيته في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل ضماً بحكم الأمر الواقع، الأمر الذي أربك دولة الكيان، خشية من صدور قرارات قضائية دولية ضدها وضد مسؤوليها، وقامت بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، منها عقوبات مالية، وذلك انتقاماً جرّاء هذا التحرك، ما جعل 40 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ترفض هذه العقوبات ضد السلطة في بيان أصدرته، كما صرّح الأمين العام للأمم المتحدة برفض إنتقام إسرائيل، وفي هذا الموقف الدولي الموحد إنجاز للدبلوماسية الفلسطينية.
أعتقد أنّ محاصرة إسرائيل بالإجراءات التصعيدية السياسية والدبلوماسية والقضائية، يمكن أن تشكّل ضغطاً عليها، ولكن هذا غير كاف لإجبارها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، بل لا بد من محاصرتها من قبل الدول العربية التي تقيم علاقات معها، كدعم للفلسطينيين، وذلك من خلال سحب السفراء، والمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، وقطع كل أنواع التعاون معها، وقيام الدول المطبعة باتخاذ خطوات تجميدية تقلق إسرائيل، وربط إعادة تلك العلاقات بالتزامها بالاتفاقيات مع الفلسطينيين، ووقف إجراءاتها ضدهم. فلو قامت كل دولة عربية بدورها في هذا السياق، لتمكّن العرب من إحداث التأثير اللازم، ومن يتذرع منهم بأنّ إنهاء الانقسام الفلسطيني هو الأساس والخطوة الأولى، فإنه يتلكّك لكي لا يقوم بالمساهمة في ردع إسرائيل عن ممارساتها ضد الفلسطينيين، لكي تدرك أنّ الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وتدرك أيضاً أنها ستخسر ما أنجزته من تطبيع للعلاقات مع الدول العربية، إذا ما استمرت على هذا النهج.