النواتي والتحويل والموت والعقاب

بي دي ان |

12 يناير 2022 الساعة 01:23ص

لا يخفى على أي مواطن فلسطيني بأن قطاع غزة بات ارض خصبة لانتشار الامراض نتاج الحصار والحروب وتلوث البيئة والمياه والفقر والبطالة والقهر والانقلاب. وامست المحافظات الجنوبية بمتوالية هندسية طاردة للحياة لمجموع العوامل المذكورة وغيرها.
ومع ان طواقم وزارة الصحة عموما، وإدارة التحويلات الطبية المتعاقبة تعمل جهودها لتأمين العلاج للحالات المحتاجة، او لنقل لمعظمها وفقا لتقديرات الأطباء المختصين، ويتم تحويلهم لمستشفيات الضفة بما فيها القدس العاصمة، وحتى للمستشفيات الإسرائيلية كلما استدعت الضرورة. رغم قرار الحكومة بوقف التعامل مع تلك المستشفيات لاعتبارات مختلفة. وان كان هناك رفض من قبل سلطات الاستعمار الإسرائيلي لدخول الضفة، يتم تحويل المريض لمصر او الأردن. بتعبير آخر، لا يوجد تقصير من قبل الوزارة بغض النظر عن اية نواقص او أخطاء موضوعية او ذاتية.
غير ان المريض من أبناء غزة لمستشفيات الضفة يعاني غالبا من قصور بعض القائمين عليها نتاج عدم التقدير الموضوعي لحالة المريض، ولعدم فصلها بين المريض المحول من القطاع وبين عدم تمكن الحكومة من تسديد المستحقات المترتبة عليها للمستشفيات لاسباب تتعلق بالازمة المالية، او عدم تنظيم عملية تسديد قيمة الفواتير المتراكمة بعشرات الملايين من الشواقل، او لاعتبارات خاصة بادارات المستشفيات، والنتيجة السلبية لهذه السياسات تصيب المريض خصوصا والمواطن الفلسطيني عموما في مقتل، واحباط، وغضب، وغالبا يدفع المريض المحول الثمن الأساسي، وهو حياته.
ولدينا مؤخرا نموذج لفقدان الطالب سليم عمر النواتي، في الصف الأول الثانوي من مدرسة فلسطين الثانوية حياته يوم الاحد الماضي الموافق 9/1/2022 نتاج رفض مستشفى النجاح في نابلس استقباله طيلة خمسة عشر يوما. مما ترك حصرةً واستياءا شديدا لدى ذويه، ومدرسته وعموم أبناء الشعب. والجميع يسأل إدارة المستشفى الفلسطينية، التي يفترض ان تكون حاضنة لكل مريض وجريح أولا وثانيا وعاشرا وقبل الموضوع المالي. نعم المستشفى خاص، ويحتاج إلى تمويل، وتسديد رواتب اطبائه والممرضات والممرضين، وتأمين الادوية وغيرها من الاحتياجات اللوجستية لابقاء المستشفى قادرا على خدمة المرضى. لكن ذلك لا يحول دون المهمة الإنسانية التي أقيم المستشفى من اجلها، وتتعاظم أهمية المستشفيات في وطننا المحتل اضعاف مضاعفة في تأمين العلاج للمرضى والجرحى لاعتبارات صحية ووطنية.
ورغم ان إدارة المستشفى تعلم ان الحكومة ستقوم اجلا ام عاجلا بتسديد قيمة الفواتير المستحقة عليها، بقي الوزير ام غادر، بقيت الحكومة ام رحلت، فلا شيء من مستحقات المستشفيات يضيع عليها، حتى لو تأخرت لبعض الوقت، الا انها تخلت عن مسؤولياتها الإنسانية، ووقعت في التقصير والتخاذل والتخلف عن القيام بالواجب الطبي تجاه طفل فلسطيني بغض النظر عن مكان سكناه، وهذا معيب وخطيئة بحق إدارة المستشفى أولا، وبحق الأطباء ثانيا، وبحق وزارة الصحة ثالثا، التي لم تتدخل فورا لحماية حياة الطفل القادم غزة، وتحويله لمستشفى اخر في القدس او أي مكان.
وهنا أتساءل متى يصبح انساننا الفلسطيني قيمة؟ وكيف نرتقي بمكانته، ونحميه من شرور المرض والاستعمار والانقلاب والحصار المفروض برا وبحرا وجوا؟ وإلى متى نغطي اخطاءنا وعيوبنا ونواقصنا بسياسات ذرائعية واهية؟ اليس الانسان الفلسطيني أينما كان يعتبر احد أسلحة البقاء، ومصدر قوة وحياة للشعب كله؟ وكيف نفرط بحياة فتى ناجح ومواظب على دراسته وعلومه ومجد ومجتهد؟ هل يعلم القائمون على مستشفيات الضفة بما فيها القدس، ان حصول المواطن الفلسطيني من محافظات الجنوب على تصريح بعد التحويل يعتبر إنجازا في ظل حصار العدو الصهيوني الوحشي، كما ان الحصول على التحويل يعتبر انجازا، ام لا يعرفون؟ كيف لادارة المستشفى رئيسا واعضاءا ان تقبل المماطلة طيلة خمسة عشر يوما لرفض قبول الطالب النجيب سليم عمر النواتي؟ اين انتم من ابناءكم؟ وكيف تنظرون بعيونهم، وانتم تتسببون بفقدان طفل واعد، مازال في مقتبل العمر؟ وهل تعلم إدارة المستشفى ان هناك المئات والالاف من أبناء غزة المحولين لا يملكون المال لتأمين تنقلهم من غزة إلى الضفة والعكس صحيح، ولا تأمين اقاماتهم بعد انتهاء العلاج؟
محزن جدا الحديث عن أطفالنا ومرضانا من كل الاعمار، ومن الجنسين نساءا ورجالا المحولين لمستشفياتنا في الجناح الشمالي من الوطن، وهم يعانون من الأخطاء والنواقص. والأكثر ايلاما وغصة عدم استقبالهم للعلاج بحجج واهية. كما ذريعة عدم تسديد الحكومة للمستحقات المالية، انها عذر اقبح من ذنب، ومرفوضة، ومدانة، ومطلوب محاسبة الجهة المسؤولة عن عدم استقبال الطفل سليم النواتي، وملاحقته قانونيا من قبل ذوي الفقيد الشهيد، ومن قبل وزارة الصحة نفسها. ويفترض سن قانون صريح بالزام المستشفيات باستقبال كل المرضى، مقرونا بالتزام وزارة الصحة والحكومة بدفع المستحقات المترتبة عليها، وتحديد الاجال لتسديد الديون، حتى أيضا لا تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.