انصافا للاسلام وتبيانا للحقيقة

بي دي ان |

18 أغسطس 2021 الساعة 06:57ص

وصلتني من صديق عزيز مقالة للكاتب المغربي محمد أيعزة بعنوان "ما هي الدعشنة او الداعشية؟" وفيها وجه من أوجه الحقيقة، عندما أعاد جذور الداعشية إلى الموروث الثقافي في المدارس الفقهية الإسلامية، وتجربتها في الممارسة العملية، ولجوئها إلى منطق التخوين والتكفير والقتل نتاج صراع الطوائف والمذاهب والفرق والمدارس الدينية الإسلامية.

لكن الكاتب تناسى، أو تجاهل عن قصد او سهوا، ان تاريخ البشرية، هو تاريخ الصراع بين الخير والشر، وصراع العبيد ضد الأسياد، والفقراء والمسحوقين والأقنان ضد الإقطاعيين، وصراع العمال والبروليتاريا ضد البرجوازية وأصحاب رأس المال. وقبل هذا وفي سياقه، قفز عن حقيقة هامة جدا، وهي ان الإسلام، هو الدين السماوي الثالث، ونبيهم الوحيد وآخر الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومات موتا طبيعيا. في حين ان اتباع الديانة اليهودية قتلوا من انبياءهم 56451 نبيا، على سبيل المثال لا الحصر في زمن النبي الياس (اليا) عليه السلام قتلوا عشرة الاف نبي، وكما يقول ابن القيم، قتل اليهود في يوم واحد 70 نبيا، وتاريخ الديانة اليهودية تاريخ حروب وصراعات حتى اليوم.

وحدث ولا حرج عن حروب اتباع الديانة المسيحية، والتي تقسم لعدة اقسام منها أولا الحروب البينية، ثانيا الحروب الصليبية، ثالثا حروب أوروبا الدامية، والتي تعرف باسم حروب الإصلاح (والإصلاح المضاد) وتزيد حروبهم عن 40 حربا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حرب الثلاثين عاما من 1618 حتى 1648، وحرب الفرسان الصغيرة، وحرب الفلاحين الالمان الكبيرة، وحرب الخلافة الاسبانية، وحرب البروتستانتية ضد الكاثوليكية ... إلخ

ثم جاءت مرحلة جديدة من الحروب، منها الحروب العالمية الأولى والثانية 1914/ 1918 و1939/1945 لتقاسم النفوذ في العالم، والتي انحصرت بين الدول الرأسمالية الأوروبية، والتي أوقعت حوالي 100 مليون ضحية من البشرية، فضلا عن الكم الهائل من الحروب الإستعمارية الإجرامية القديمة والحديثة والمختلطة، التي شنتها دول الغرب الرأسمالي بقيادة اميركا بعد الحرب العالمية الثانية حتى الآن، والتي أوقعت ملايين الضحايا في فيتنام ولاوس وكمبيوديا وتايوان والصين والفلبين واندونيسيا وجنوب افريقيا والعشرات من الدول الأفريقية، وفي اسيا والشرق الأوسط، الذي مازال يرزح تحت نير الحروب الأميركية والرأسمالية عموما أيضا لنهب ثروات الشعوب وخيراتها، ولبلدنا فلسطين حصة وافرة من بشاعة ودونية الغرب الراٍسمالي في إنتاج الإستعمار الصهيوني، الذي جيء به لينهب الأرض والثروات والتاريخ والهوية والموروث الحضاري، ومازال هذا الصراع الدامي مستعرا وملتهبا حتى يوم الدنيا هذا.

اردت من خلال ايراد لمحات سريعة ومنتقاة الإشارة إلى ان الدين الإسلامي، ليس هو الوحيد، الذين أنتج وأصل لداعش والداعشية والنصرة وجماعات التكفير والتخوين، وانما كان ومازال الغرب الرأسمالي وفي مقدمته الولايات المتحدة والدولة الصنيعة، دولة المشروع الكولونيالي الصهيونية ومن والاهم من العرب والعجم وغيرهم من الأدوات الرخيصة المنتج الأول للارهاب والجريمة المنظمة، وليس أحدا غيرهم. وبالتالي يفترض على بعض الكتاب وأصحاب الرأي ان يكفوا عن التساوق مع البضاعة الفاسدة، التي يروجها ويعممها الغرب وآلته الإعلامية الضخمة، وتحميل كل العبء على الدين الإسلامي. هذاغير دقيق، ومنقوص ومجتزأ، ويجانب الحقيقة الموضوعية، الأمر الذي يملي على أولئك الكتاب الابتعاد عن عقدة النقص، وان لا يفصلوا الإسلام عن الديانات السماوية والوضعية الأخرى، التي لعبت ثقافاتها العصبوية المتزمتة دورا كبيرا في انتاج وترويج ثقافة الموت والجريمة والقتل على الهوية الدينية او الوطنية.

ويعلم الجميع اني لست متعصبا، ولا متطرفا، وارفض كل اشكال التزمت والتخندق الأقصوي في خنادق الدين، وادعو للتسامح والتكافل والسلام والعدالة بين بني الإنسان بغض النظر عن تلاوينهم ومعتقداتهم ومشاربهم واعراقهم او اجناسهم والوانهم، لإن الإنسان هو القيمة الأعلى والأهم والأعظم، وهو الذي يفترض ان نحميه كإنسان صغيرا ام كبيرا، غنيا ام فقيرا، عربيا ام اميركيا أو أوروبيا او افريقيا او صينيا او روسيا أو لاتينيا اميركيا جنوبي .. إلخ  

إذا الداعشية وكل اخواتها من التيارات الإسلاموية المتطرفة، هي ذات خلفية إسلامية صحيح، وتدعي بانها تتحدث باسم الإسلام، أيضا صحيح. ولكن الدين الإسلامي الحنيف السمح بريء منها، وهي لا تمت له بصلة لا من قريب او بعيد، وهي نبت شيطاني اوجدها واسسها وصنعها الغرب الرأسمالي عموما والأميركي خصوصا. وهذا ليس دفاعا عن الإسلام، انما انصافا للدين الإسلامي، ورفضا للمقولات الجاهزة الصنع، والمنتجة في أسواق الدعارة والنخاسة الإعلامية الغربية والصهيونية. والهدف منها تمزيق دول العالم العربي والإسلامي، ونهب ثرواتها، وابقاءها في دائرة المحوطة والتبعية للسوق الرأسمالية.